المحور الثاني
المبادئ العامة
للقانون الدستوري
لدراسة أو فهم
أي نظام دستوري لا بد للدارس أن يحيط علما ببعض المفاهيم والمبادئ التي تعتبر
أساسية لفهم موضوع دراسته، كإدراكه لتعريف القانون الدستوري وتحديد مصادره المختلفة
مرورا بتعريف الدستور وتحديد أنواعه وتبيان الأساليب المختلفة في وضعه وتعديله أو
إنهاءه؛ وسمو قواعده على بقية القواعد القانونية الأخرى وذلك بتوفير الضمانات
الدستورية لحمايتها من المخالفة وهو ما يعرف بالرقابة على دستورية القوانين.
القانون هو
مجموعة القواعد القانونية المجردة والاجتماعية والملزمة،
التي تستهدف تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، وإذا كان القانون يقسم إلى قسمين،
قانون خاص يضم مختلف الفروع القانونية المشكلة من القواعد القانونية التي تنظم
العلاقة بين الخواص سواء كانوا أشخاصا طبيعية أو اعتبارية كالقانون المدني
والتجاري، وقانون عام يتكون من مختلف الفروع التي تنظم العلاقة بين الدولة
والأفراد، يعتبر القانون الإداري والدستوري من أهم فروعه الداخلية.
أولا: تعريف القانون الدستوري
إذا كانت قواعد
القانون الخاص أقدم في الوجود من قواعد القانون العام، فالقانون الدستوري يعتبر
قانونا حديث النشأة مقارنة ببقية فروع القانون العام، وذلك بالنظر لارتباطه أكثر
بالنهج الديمقراطي الذي صاحب الثورتين الأمريكية والفرنسية في نهاية القرن الثامن
عشر.
تاريخيا بدأت
بوادر تدريس القانون الدستوري في الجامعات الإيطالية ليجد له مكانا بعد ذلك في
الجامعات الفرنسية على يد أحد الأساتذة الإيطاليين، وقد كان موضوع مادة القانون
الدستوري في البداية هو تدريس محتوى الدستور الفرنسي، لذلك كان يعتبر قانون
الدستور أكثر منه قانونا دستوريا.
يمكن تعريف
القانون الدستوري من خلال معيارين أساسين، إما بالنظر إلى الشكل الذي تصدر وتتواجد
فيه القواعد القانونية(المعيار الشكلي)، أو بالنظر إلى مضمون القواعد القانونية
بغض النظر عن مكان تواجدها أو طريقة إعدادها(المعيار الموضوعي).
1.تعريف القانون الدستوري من خلال المعيار الشكلي
يعرف القانون
الدستوري من خلال المعيار الشكلي على أنه ذلك الفرع من فروع القانون العام الذي
يهتم بدراسة القواعد القانونية التي تحتويها وثيقة دستورية واتبعت في وضعها
إجراءات محددة.
يلاحظ أن هذا
المعيار يركز في تعريفه على اعتبار القواعد القانونية المتواجدة داخل وثيقة
دستورية مكتوبة، تخضع في وضعها لإجراءات خاصة، هي وحدها التي تشكل مادة للقانون الدستوري.
رغم سهولة هذا
التعريف الذي حدد قواعد القانون الدستوري في الوثيقة المكتوبة، إلا أن هذا لا يستبعد
بعض الانتقادات الموجهة إليه.
يلاحظ أن هذا
التعريف يستبعد بقية القواعد القانونية الغير متواجدة في وثيقة مكتوبة، رغم أن
مضمونها قد يكون ذو طبيعة دستورية، وأكبر مثال على ذلك القواعد القانونية المتعلقة
بالانتخابات، وتلك المنظمة للبرلمان وعلاقته بالسلطة التنفيذية على سبيل المثال؛
وفي نفس الوقت فإنه يضفي الطبيعة الدستورية على قواعد قانونية أخرى رغم عدم
ارتباطها بالقانون الدستوري، فقط لأنها متواجدة في الوثيقة الدستورية، وأكبر مثال
على ذلك القواعد المتعلقة بقانون المالية(الضرائب) والقانون الجنائي(تحريم عقوبة
الإعدام ) والقانون الدولي (المعاهدات الدولية)والقانون الإداري(التنظيم الإداري
في البلاد).
إضافة إلى ذلك
يستبعد هذا المعيار القواعد القانونية العرفية، رغم أن أغلب القواعد القانونية
الدستورية أصلها عرفي، كما أن هذا الأخير يعتبر مصدرا هاما لقواعد القانون
الدستوري، فغالبا ما تكمل وتفسر قواعده القواعد الدستورية المكتوبة حتى لا نقول
تلغيها.
كما أن الأخذ بالمعيار
الشكلي يترتب عنه استبعاد الدساتير العرفية وعلى رأسها الدستور البريطاني من مجال
دراسة القانون الدستوري، على اعتبار أن بريطانيا تقوم على دستور عرفي، وليس لها
دستور مكتوب بمعنى الكلمة مدونة فيه أعلب القواعد المنظمة لنظام الحكم والمحددة
لحقوق الأفراد وحرياتهم على الخصوص.
لقد صاحب هذا
التعريف موجة الدساتير المدونة في إطار ما يعرف بالحركة الدستورية، التي انتشرت في
نهاية القرن الثامن عشر عقب الثورتين الأمريكية والفرنسية، والتي انطلقت بوضع المستعمرات البريطانية
السابقة لدساتير مكتوبة، توجت بوضع دستور الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1787، فأصبح
ذلك ملهما لكثير من الدول وعلى رأسها فرنسا عقب ثورة 1789، من خلال 1791.
2. تعريف القانون الدستوري من خلال المعيار الموضوعي
على عكس
المعيار الشكلي الذي يركز على الشكل الذي تتواجد فيه القواعد القانونية (وثيقة أو
عدة وثائق دستورية) والإجراءات المتبعة في وضعها، فإن المعيار الموضوعي أو المادي
يهتم بمحتوى القواعد القانونية، ومن ثم وحسب هذا التعريف، فالقانون الدستوري هو
ذلك الفرع من القانون العام الذي يهتم بدراسة القواعد القانونية التي يكون محتواها
ذو طبيعة دستورية، سواء كانت هذه القواعد تشريعية أو عرفية أو في أي مصدر آخر من مصادر
القانون بصفة عامة.
تكون القواعد
القانونية ذات طبيعة دستورية كلما تعلقت بشكل الدولة ونظام الحكم فيها وتحديد سلطاتها
العامة والعلاقة في ما بينها، وتضمنت تحديد حقوق الأفراد وحرياتهم، سواء كانت هذه
القواعد في وثيقة دستورية مكتوبة أو تواجدت في مختلف أنواع التشريع عضويا كان أو
عاديا أو فرعيا(كقانون الانتخابات والقواعد القانونية المنظمة للبرلمان وعلاقته
بالسلطة التنفيذية)؛ بل حتى ولو كانت قواعد عرفية.
من هنا يظهر أن
تعريف القانون الدستوري من خلال المعيار الموضوعي أكثر شمولا لقواعد القانون
الدستوري، لأن الواقع يثبت أن قواعد القانون الدستوري أكبر وأوسع من أن تضمها
وثيقة دستورية أو عدة وثائق مكتوبة؛ فمهما اتسعت الوثائق الدستورية فإنها تبقى
محدودة، كما أن القواعد الدستورية المكتوبة في حد ذاتها تحتاج إلى تكملة وإلى
تفسير أثناء تطبيقها، ولعل العرف والقضاء إضافة إلى الفقه باعتبارها مصادر إضافية
للقانون الدستوري كفيلة للقيام بهذا الدور رغم تباين أولويتها من نظام سياسي لآخر.
تبدو أهمية
التعريف الموضوعي للقانون الدستوري من حيث أن النظام الدستوري في أي دولة يتأثر
بالظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في أي مجتمع، والتي لا يمكن معها للقواعد
المكتوبة التي قد يضفى عليها أحيانا طابع
الجمود، أن تساير التطور الحاصل في المجتمع مثلما تسايره القواعد القانونية
العرفية مثلا، الأمر الذي يجعل استبعادها من مجال القانون الدستوري أمرا غير واقعي،
غير أن هذا لا يقلل من أهمية المعيار الشكلي، خاصة مع انتشار ظاهرة الدسترة حيث لا
تكاد تخلو دولة في العالم من وجود دستور مكتوب.
ثانيا.طبيعة قواعد القانون الدستوري
تباينت آراء
الفقهاء حول طبيعة قواعد القانون الدستوري، بمعنى حول مدى إلزامية قواعده، وهل
يترتب على مخالفتها جزاء؟.
رأى جانب من
الفقه أن قواعد القانون الدستوري هي مجرد قواعد ذات طابع توجيهي، فهي قواعد لا
يترتب على مخالفتها جزاء؛ في حين ذهب جانب آخر إلى القول بعكس ذلك، فقواعد القانون
الدستوري هي قواعد ملزمة يستوجب على كل المخاطبين بها احترامها والامتثال لها،
وإلا ترتب على ذلك جزاء، وحتى وإن كان من الصعب مقارنة الجزاء المترتب على انتهاك
قواعد القانون الدستوري بقوانين أخرى كالقانون الجنائي مثلا، إلا أن نتائج الرقابة
الدستورية مثلا التي قد يترتب عليها إلغاء كل القواعد القانونية المخالفة للدستور،
وكذلك التزام الحكام بالحدود التي تضعها السلطة التاسيسية، سواء في كيفية الوصول
إلى السلطة أو البقاء فيها وممارستها، وفي حالة مخالفتها قد يؤدي ذلك إلى احتجاج
المواطنين بعنف ضد تصرفات الحكام المخالفة للقواعد الدستورية، وليس غريبا أن تعتبر
بعض الدساتير الإخلال بالأحكام الدستورية أو حتى العزوف عن تطبيقها يشكل جريمة
الخيانة العظمى التي تستلزم مساءلة الحكام جنائيا.
......................
ملاحظة: للموضوع مراجع