الاثنين، 28 يناير 2019

المصالحة الوطنية في الجزائر/ حماية دستور 2016 للمصالحة الوطنية والحقوق والحريات




الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
المجلس الشعبي الوطني

لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات
الدورة البرلمانية 2018-2019

تنظم يوما برلمانيا
 حول 
دور البرلمان في ترقية حقوق الإنسان وحمايتها 
الثلاثاء 11 ديسمبر 2018 

حماية دستور 2016 
للمصالحة الوطنية والحقوق والحريات

بقلم الأستاذ الدكتور: عمار عباس
أستاذ باحث
كلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة مصطفى اسطمبولي، معسكر.
abbas.ammar@univ-mascara.dz




"إن قرار الشروع في إصلاحات سياسية، قد تم بعد تلك التي شرعت فيها قبل بضعة سنين حول الوئام المدني والمصالحة الوطنية بهدف ... استعادة السلم وأمن الأشخاص والممتلكات في بلادنا، كما التزمت بذلك عام 1999. لقد عاد السلم إلى القلوب والأذهان بعد سنوات طوال من إرهاب همجي كان هدفه الأساس تحطيم أسس الدولة، وإنكار حق الجزائريين في الاختلاف، بل حتى حقهم في الحياة. إن صورة الجزائر التي كانت مشوهة بفظائع هذه الظاهرة...، قد تغيرت كليا اليوم، لتفسح المكان لجزائر هادئة ومتصالحة مع نفسها... إن الديمقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان يشكلون ثالوثا ينبني بصبر ومثابرة، ويتم إنجازه حجرا حجرا من قبل الشعب والمؤسسات التي ينشئها لنفسه في مرحلة معينة من تاريخه ".

من رسالة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة تصويت البرلمان على تعديل الدستور في 07 أبريل 2016

مقدمة:

بوضع دستور جديد سنة 1996، حاول المؤسس الدستوري تجاوز كثير من الثغرات التي كانت في دستور 1989، وإقامة كوابح للحد من التجاوزات المحتملة للمجلس الشعبي الوطني بإنشاء مجلس الأمة  كغرفة ثانية للبرلمان،معقلنة للعمل التشريعي وضامنة لاستمرارية الدولة.
بالموازاة مع هذا الإصلاح الدستوري، كان الوضع الأمني المتردي الناجم عن الإرهاب الأعمى، دافعا للمبادرة بخطوات شجاعة ترمي لاستتباب الأمن والاستقرار، انطلقت بإصدار إجراءات للرحمة تبعتها أخرى للوئام المدني وتوجت بميثاق للسلم والمصالحة الوطنية سنة 2005، ونظرا للنتائج التي حققتها هذه السياسة أصبحت ملهمة لكثير من دول العالم التي تمر بأزمات مماثلة، كما تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي صادقت بالإجماع  على لائحة تعلن من خلالها يوم 16 مايو يوما عالميا للعيش  معا بسلام.
 في سياق المصالحة الوطنية وترقية الحقوق والحريات، عرف دستور 1996 تعديلين جزئيين هامين، الأول سنة 2002 بترقية تمازيغت لغة وطنية باعتبارها أحد مكونات الهوية الوطنية، والثاني سنة 2008 أكد على حماية رموز الثورة والجمهورية وعلى دور الدولة في كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة، وترقية الحقوق السياسية للمرأة وإعادة ترتيب السلطة التنفيذية من الداخل.
ليتوج مشروع الإصلاحات السياسية الذي طرحه رئيس الجمهورية في 15 أفريل 2011؛ والذي انطلق بتعديل وإثراء للكتلة التشريعية المؤطرة للممارسة السياسية، بتعديل دستوري جوهري سنة 2016، مؤكدا على ترقية مكونات الهوية الوطنية،  وإقرار الشعب الجزائري بكل سيادة تنفيذ سياسة السلم والمصالحة الوطنية والمحافظة عليها، لجعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف وعن كل تطرف، مع توسيع قاعدة الحقوق والحريات للجيل الثالث منها.
كل هذه التطورات سنحاول التطرق إليها في هذه الورقة، مركزين على دور دستور 2016 في حماية المصالحة الوطنية والحقوق والحريات.

أولا: ميثاق للسلم والمصالحة الوطنية، مواصلة لسياسة الرحمة والوئام المدني وآلية لتجاوز  الفتـنة وعواقبها الوخيمة واستتباب السلـم و الأمـن

موازاة مع مكافحة الإرهاب الذي ضرب البلاد انطلاقا من سنة 1992، انتهجت البلاد مقاربة تصالحية عرفت مراحل متدرجة، بدأت بإجراءات  للرحمة واستتبعت بقانون للوئام المدني للتتوج بإقرار الشعب عن طريق الاستفتاء لميثاق للسلم والمصالحة الوطنية سنة 2005. 
مكنت سياسة الوئام الـمدني، على غرار سياسة الرحمة التي سبقـتـها من"تثـبيـط الـمسعى الـشيطاني الذي كان يروم تشتيـت شمل الأمة، .. ومن حقن الدماء و استعادة استقرار الـجزائر سياسيا و اقتصاديا  واجتماعيا و مؤسساتيا".
فالأمر الصادر مطلع سنة 1995 وضع تدابير للرحمة وكذا القواعد والشروط والكيفيات المطبقة على الأشخاص المتابعين بجرائم الإرهاب أو التخريب والذين سلموا أنفسهم تلقائيا للسلطات المختصة وأشعروها بتوقفهم عن كل نشاط تخريبي أو إرهابي، كما حدد الأفراد الذين يستفيدون من تدابير عدم المتابعة القضائية وإمكانية استفادتهم من تدابير العفو المنصوص عليها في الدستور.
 أما القانون المتعلّـق باستعادة الوئام المدنيّ الذي صدر في بداية العهدة الأولى لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 والذي كان يندرج في إطار الغاية السامية المتمثلة في استعادة الوئام المدني، كان يهدف إلى تأسيس تدابير خاصة بغية توفير حلول ملائمة للأشخاص المورطين والمتورطين في أعمال إرهاب أو تخريب، الّذين يعبّرون عن إرادتهم في التوقف، بكل وعي عن نشاطاتهم الإجرامية، بإعطائهم الفرصة لتجسيد هذا الطموح، على نهج إعادة الإدماج المدني في المجتمع. للاستفادة من أحكام هذا القانون كان يجب على هؤلاء الأشخاص إشعار السلطات المختصّة بتوقفهم عن كلّ نشاط إرهابي والحضور أمامها.
كما يستفيد هؤلاء الأشخاص وفقا للشّروط التي حدّدها هذا القانون، وحسب الحالة، من أحد التدابير الآتية:
- الإعفاء من المتابعات،
- الوضع رهن الإرجاء،
- تخفيف العقوبات. 
  مواصلة لهذا المسار التصالحي، ورغبة من الشعب الجزائري في التسامي" نهائيا فـوق هذه الـمأساة "عرض رئيس الجمهورية للاستفتاء ميثاقا للسلم والمصالحة الوطنية في 29 سبتمبر 2005.
جاء في ديباجة هذا الميثاق أنه بعد أن تغلبت الجزائر"على هذه الـمحنة الـنكراء بفضل إصرار شعبها واستـماتته في الـمقاومة التي كلفته فدية باهـظة من الأرواح والدماء من أجل بـقـاء الوطن"...وكانت نـجاتها "بفضل ما تـحلت به من وطنية وبذلته من تضحيات وحدات الـجيش الوطني الشعبي وقوات الأمن وكافة الوطنييـن الذيـن اضـطلعـوا، بصبر وحزم، بتـنـظيـم مقاومة الأمة لـمواجهة ذلكم العدوان الإجرامي اللاإنساني"، مؤكدة على أن الشعب الجزائري "سيـظـل إلى جانب أسر شهداء الواجب الوطني وأسر ضحايا الإرهاب... والدولة لن تدخر جهدا معنويا أو ماديا كي يستـمر اعتبارها و تقديرها و دعمها لتلك الأسر وذوي الـحقوق لقاء التضحيات الـمبذولة".
لقد أبى الشعب الـجزائري .."تجاوز الفتـنة وعواقبها الوخيمة ويعود نهائيا إلى سابق عـهـده بالسلـم و الأمـن" متيقنا أنه"من دون عودة السلـم والأمن، لن يثمر أي مسعى من مساعي التـنمية السياسية والاقتصادية والاجتـماعية بالثمار التي يتـوخـونها منه"، ولكي يتسنى ذلك، "لا مناص من أن نخـوض، اليوم، مسعى جديدا قصد تـحقيق الـمصالـحة الوطنية لأنه لا سبيل إلى اندمال الـجـروح التي خلفتها الـمأساة الوطنية من دون الـمصالـحة الوطنية" .
فالشعب الجزائري الـمتـمسك بدولة الـحق والقانون وبتعهدات الـجزائر الدولية، بموافقته على هذا الميثاق عبر الاستفتاء"يـجيز ... رسميا الإجراءات الضرورية لتعزيز السلـم وتـحقيق الـمصالـحة الوطنية . .. ويؤكد عـزمه عـلى تفـعيـل ما استخلصه من عبر من هـذه الـمأساة من أجل إرساء الأسـيـسة التي ستـبـنى علـيـها جزائر الغد، وذلك من خلال تبني المساعي التالية :

1.عرفان الشعب الـجزائري لصناع نـجدة الـجمهورية الـجزائرية الديـمقراطية الشعبية 
وذلك بالثناء على الـجيـش الوطني الشعبي ومصالح الأمن وكافة الوطنييـن، والـمواطنيـن العادييـن، و يشيد بـما كان لهم من وقفة وطنية وتضحيات مكنت من نـجاة الـجزائر ومن الـحفاظ على مكتسبات الـجمهورية و مؤسساتها.
2.إجراءات ترمي إلى استتباب السلم
وذلك من خلال إبطال المتابعات القضائية، والعفو وإبدال العقوبات. 
فإبطال الـمتابعات القضائية يكون في حـق الأفراد الذين سلموا أنفسهم والذيـن يكفون عن نشاطهم الـمسلح ويسلـمــون ما لديـهم من سـلاح والـمطلوبيـن داخل الـوطن و خارجه الذيـن يَـمْثُلُون طـوعا أمام الهيئات الـجزائرية الـمختصة والـمحكوم عليهم غيابيـا. 
أما العفو فيكون لصالح الأفراد الـمحكوم عليهم والـموجوديـن رهن الـحبس، عقابا على اقترافهم نشاطات داعـمة للإرهاب، الـمحكـوم عليهم و الـموجوديـن رهن الـحبس عقابا على اقترافهم أعمال عـنـف، في حين يكون إبدال العقوبات أو الإعفاء من جزء منها لصالح جميــع الأفـراد الـذيـن صـدرت في حقـهم أحكـام نهـائيــة أو الـمطلوبــيـن الذيـــن لا تشملهم إجراءات إبطال الـمتابعات أو إجراءات العـفـو السالفة الذكر.
3.إجراءات تستهدف تعزيز الـمصالـحة الوطنية
وذلك بالرفـع النهائي للـمضايقات التي لا زال يعاني منها الأشخاص الذيـن جنحوا إلى اعتناق سياسة الوئام الـمدني، وتـمكيـن الأفراد الذين تمت معاقبتهم على ما اقترفوه من جرائم هم وأسرهم من تسوية وضعيتهم الاجتماعية تسوية نهائية، و حـظـر مـمارسة أي نشاط سياسي، تـحت أي غـطاء كان، من قبل كل مـن كانـت له مسؤولية في هذا العبث بالديـن.
4.إجراءات تدعم سياسة التكفل بـملف الـمفقوديـن الـمأساوي
وذلك بتحمل الدولة على ذمتها مصير كل الأشخاص الـمفقوديـن في سياق الـمأساة الوطنية وتتخذ الإجراءات الضرورية بعد الإحاطة بالوقائع، كما تتخذ كل الإجراءات الـمناسبة لتمكيـن ذوي حقوق الـمفقوديـن من تـجاوز هذه الـمحنة القاسية في كنف الكرامة؛ مع اعتبار الأشخاص الـمفقودون ضحايا للـمأساة الوطنية، ولذوي حقوقهم الـحـق في التـعـويـض. 
5.إجراءات ترمي إلى تعزيز التماسك الوطني
يعتبر الشعب الجزائري أن"الـمصلحة الوطنية تقتضي القضاء نهائيا على جميع عـوامل الإقصاء التي قد يستغلها أعداء الأمة"، كما يـنبغي لها أن "تتكفل بـمأساة الأسر التي كان لأعضاء منها ضِلْـعٌ في مـمارسة الإرهاب . ويقرر أن الدولة ستتخذ تدابير التضامن الوطني لصالح الـمُعوزة من الأسر الـمذكورة والتي عانت من الإرهاب من جراء تـورط ذويها".
وبمصادقته على الميثاق من أجل السلم والـمصالـحة الوطنية، يفوض الشعب الجزائري لرئيس الـجمهورية "اتخاذ جميع الإجراءات قصد تـجسيد ما جاء في بنـوده".
  وبالفعل استجاب الشعب الجزائري للنداء، حيث بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء على مشروع الميثاق 79.76 بالمائة من عدد الناخبين المسجلين وتجاوز عدد المصوتين 14600000 ناخب،صوت بنعم 97.38 في المائة منهم أي أكثر من 14000000 ناخب، وهو ما يبين انخراط الشعب الجزائري وتزكيته لسياسة السلم المصالحة الوطنية.
 وقصد تنفيذه استتبع الميثاق بصدور نصوص تطبيقية، على رأسها الأمر المتضمن تنفـيذ ميثـاق السلم والمصالحة الوطنيّـة، زيادة على المراسيم التنفيذية المتعلقة بتعويض ضحايا المأساة الوطنية بإعانة الدولة للأسر المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهاب وبكيفيـــات إعـــادة إدمـــاج أو تعويض الأشخاص الذين كانوا موضوع إجـراءات إدارية للتسـريح ‬من العمل بسبب الأفعال المتصلـة بالمأساة الوطنية.

ثانيا: دستور 2016 : دسترة  المصالحة الوطنية وتوسيع لقاعدة الحقوق والحريات وتدعيم حمايتها

كان التعديل الدستوري لسنة 2016 تتويجا لمشروع الإصلاحات السياسية الشامل الذي باشره رئيس الجمهورية  انطلاقا من سنة 2011، بالشروع في تعديل وإثراء العدة التشريعية المؤطرة للممارسة السياسية.
1.تبني مقاربة تشاركية وتوافقية لإعداد مشروع التعديل الدستوري لسنة 2016
فصل بيان مجلس الوزراء المنعقد في 02 ماي 2011 في الإجراءات المتبعة في إعداد مشروع التعديل الدستوري، وذلك بتعيين رئيس الجمهورية للجنة مختصة"يرفع إليها ما سيصدر عن الأحزاب والشخصيات من عروض واقتراحات..بعد استشارة واسعة حول كل ما يُزْمع العمد إليه من إصلاحات سياسية".
في هذا الإطار، قامت لجنة المشاورات الوطنية التي ترأسها السيد عبد القادر بن صالح، بالاستماع إلى مختلف مكونات المجتمع، بعد توجيهها الدعوة لأكثر من 250 طرف من أحزاب سياسية وشخصيات وطنية؛ بغية استقاء آراءها واقتراحاتها، حول مراجعة الدستور، وقبل ذلك، حول جملة الإصلاحات التشريعية المطلوبة؛ تلتها جولة جديدة من المشاورات بعد الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في نهاية سنة 2012، قادها الوزير الأول السيد عبد المالك سلال، أين أصبح موضوعها مقتصرا على وضع تصور للتعديل الدستوري القادم.
وقد توج هذا المسار بتقديم اقتراحات كانت"محل دراسة شاملة وعمل تلخيصي من طرف مجموعة عمل مؤهلة أنشئت لهذا الغرض"؛ ضمنت عملها في وثيقة أولية عرضت على رئيس الجمهورية للنظر والتقدير؛ والذي قرر على إثر ذلك، تنصيب لجنة خبراء"تتولى إعداد مشروع تمهيدي للقانون المتضمن التعديل الدستوري، على أن يستند في آن واحد إلى الاقتراحات المعتمدة التي قدمها الفاعلون السياسيون والاجتماعيون، وإلى توجيهات رئيس الجمهورية في الموضوع، وذلك بغرض ترجمتها إلى أحكام دستورية"، وقد كلف رئيس الجمهورية الوزير الأول بتنصيب هذه اللجنة التي ضمت في عضويتها أساتذة جامعيين، أنيط بها مباشرة المهام التالية:
-تقديم عند الاقتضاء، كل اقتراح تراه وجيها، بغرض إثراء الوثيقة؛
-إعداد مشروع تمهيدي للقانون المتضمن التعديل الدستوري، وإدراج أحكام انتقالية عندما يتطلب ذلك تطبيق مادة من المواد، ضمانا لتطبيقها التدريجي، على أن يكون هذا المشروع التمهيدي مرفقا بمشروع تمهيدي لعرض الأسباب؛
-عرض نتائج أعمالها على رئيس الجمهورية، للنظر والتقدير؛
-بعد تأكده من مراعاة اقتراحات الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وعدم تعارض المشروع التمهيدي مع القيم الأساسية للمجتمع الجزائري، وبمقتضى السلطات التي يخولها إياه الدستور، يقرر رئيس الجمهورية الصيغة النهائية لمشروع التعديل الدستوري، الذي سيخضع للإجراءات  المقررة في الدستور، وذلك بحسب أهمية وطبيعة التعديلات المعتمدة.
وبعد إبداء المجلس الدستوري لرأيه حول مشروع التعديل الدستوري، عرض على البرلمان المنعقد بغرفتيه في 07 أ[ريل 2018 فوافق عليه.
2.دسترة المصالحة الوطنية
في إطار ترسيخ المصالحة مع المكونات الأساسية لهوية الأمة الجزائرية، وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية، أكدت ديباجة دستور 2016 على أن"تعمل الدولة دوما لترقية وتطوير كل واحدة منها"، وقد سبق لميثاق السلم والمصالحة الوطنية أن أناط"بـمؤسسات الدولة اتـخاذ جميع الإجراءات الكفيلـة بالـحفاظ على الشخصية والثقافة الوطنيتيـن وترقيتهما من خلال إحياء مآثر التاريخ الوطني و النـهوض بالـجوانب الديـنية و الثـقـافـيـة و اللسانية".
لتجسيد ذلك، نص الدستور الجديد على تكليف المجلس الأعلى للغة العربية على العمل على ازدهار اللغة العربية وتعميم استعمالها في الميادين العلمية والتكنولوجية والتشجيع على الترجمة إليها"، كما تمت ترقية تمازيغت إلى لغة رسمية، واستحدث لها مجمع كلّف بتوفير الشروط اللازمة لتجسيد مكانتها الجديدة.  
وترسيخا لسياسة السلم والمصالحة الوطنية، أكد المؤسس الدستوري في ديباجة الدستور الجديد على أن الشعب الجزائري قد"واجه مأساة وطنية حقيقية عرّضت بقاء الوطن للخطر. وبفضل إيمانه وتمسكه الثابت بوحدته، قرّر بكل سيادة تنفيذ سياسة السلم والمصالحة الوطنية التي أعطت ثمارها وهو مصمم على الحفاظ عليها، ... ويعتزم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف وعن كل تطرف، من خلال ترسيخ قيمه الروحية والحضارية التي تدعو إلى الحوار والمصالحة والأخوة، في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية".  
وقد عبر رئيس الجمهورية عن هذا التوجه في رسالته التي وجهها للبرلمان بعد مصادقته على مشروع التعديل الدستوري حين أكد أن"قرار الشروع في إصلاحات سياسية، قد تم بعد تلك التي شرعت فيها قبل بضعة سنين حول الوئام المدني والمصالحة الوطنية بهدف أصبح ذا أولوية عالية، وهو استعادة السلم وأمن الأشخاص والممتلكات في بلادنا، كما التزمت بذلك عام 1999. لقد عاد السلم إلى القلوب والأذهان بعد سنوات طوال من إرهاب همجي كان هدفه الأساس تحطيم أسس الدولة، وإنكار حق الجزائريين في الاختلاف، بل حتى حقهم في الحياة. إن صورة الجزائر التي كانت مشوهة بفظائع هذه الظاهرة التي تعود إلى عصر آخر بائد، قد تغيرت كليا اليوم، لتفسح المكان لجزائر هادئة ومتصالحة مع نفسها".
في نفس السياق وفي إطار المسعى التصالحي أكد المؤسس الدستوري في الديباجة على تبني مقاربة تشاركية، فالشعب الجزائري الذي"ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، ... يعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان الحرية لكل فرد، في إطار دولة ديمقراطية وجمهورية".
كما تضمن التعديل الدستوري مبادئ جديدة، لعل أبرزها تلك المتعلقة بتكريس الدستور للتداول السلمي والديمقراطي عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وألزم السلطات العمومية المكلفة بتنظيمها بإحاطاتها بالشفافية والنزاهة، كما نص على استحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات تسهر على شفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية ونزاهتها، منذ استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للاقتراع.
إن إدراج تبني الشعب الجزائري للمصالحة الوطنية والتداول السلمي والديمقراطي على السلطة  وغيرهما من المبادئ  في ديباجة الدستور، سيجعل من كل تصرف أو تشريع مخالف لها، غير مطابق للدستور، مما سيلقي على عاتق الجميع واجب العمل على تعزيز سياسة السلم والمصالحة الوطنية وتعزيز مبدأ التداول السلمي والديمقراطي على السلطة، كما يجعل أي تقاعس عن تطبيق هذه المبادئ الدستورية تخليا عن التزام دستوري تجاه الشعب الجزائري.
3.توسيع قاعدة الحقوق والحريات
وسع دستور 2016 من قاعدة الحقوق والحريات وتوفير الضمانات الكافية لحمايتها؛ مع دسترة حقوق الأحزاب السياسية وترقية المعارضة البرلمانية، والفصل بين السلطات، والتأكيد على استقلالية السلطة القضائية.
ففي مجال الحقوق والحريات تم إدراج مختلف أجيال حقوق الإنسان في الدستور، سواء كانت سياسية ومدنية واجتماعية وثقافية زيادة على حقوق الجيل الثالث، فأصبح بذلك عدد المواد المخصصة للحقوق والحريات 40 مادة (من المادة 33 إلى 73 ) مقارنة بالواجبات التي لم تتجاوز 11  مادة (من 74 إلى 83).
يتجلى ذلك من خلال تأكيد المؤسس الدستوري، على ضمان الحريات المتعلقة بممارسة الشعائر؛ والتعبير، وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، والتّجمع والتّظاهر السلمي، وحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي حق أساسي يضمنه القانون ويعاقب على انتهاكه، وحرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية ولا تُقيّد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، على أن لا تستعمل هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم، كما ضمن الدستور نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، ولا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية.
كما نص الدستور على معاقبة القانون على أعمال وأفعال الاعتقال التعسفي مع منع الحجز أو الحبس في الأماكن التي لا ينصّ عليها القانون،مع إعلام الشخص الذي يوقف للنظر بحقه أيضا في الاتصال بمحاميه، ويمكن القاضي أن يحدّ من ممارسة هذا الحق في إطار ظروف استثنائية ينص عليها القانون، وعلى أن الحبس المؤقت إجراء استثنائي يحدد القانون أسبابه ومدته وشروط تمديده،  كما أن الفحص الطبي إجباري بالنسبة للقصر. ولا يمكن الأمر بأي تقييد لحرية اختيار موطن الإقامة والتنقل عبر التراب الوطني إلاّ لمدة محددة وبموجب قرار مبرّر من السلطة القضائية، وضمان المحاكمة العادلة لكل متهم تؤّمن له الضمانات اللازمة للدفاع عنه.
أما في مجال الحقوق الاجتماعية فتشجع الدولة على إنجاز المساكن، وتعمل على تسهيل حصول الفئات المحرومة على سكن، ويضمن القانون حق العامل في الضمان الاجتماعي، ويعاقب القانون على تشغيل الأطفال دون سن 16 سنة. كما تعمل الدولة على ترقية التمهين وتضع سياسات للمساعدة على استحداث مناصب الشغل، كما ألزم الدستور الجديد الدولة بالعمل  على  ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل، (وتشجيع) ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات، وقمع المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
كما تلزم الدولة بحماية الأطفال المشرّدين، وإسعاف المعوقين والمسنين بلا دخل، وباعتبار الشباب قوة حية في بناء الوطن تسهر الدولة على توفير كل الشروط الكفيلة بتنمية قدراته وتفعيل طاقاته، كما تحمي الأسرة والمجتمع والدولة حقوق الطفل، وتكفل الدولة الأطفال المتخلى عنهم أو مجهولي النسب، يقمع القانون العنف ضد الأطفال، وتعمل الدولة على تسهيل استفادة الفئات الضعيفة ذات الاحتياجات الخاصة من الحقوق المعترف بها لجميع المواطنين، وإدماجها في الحياة الاجتماعية، وتحمي الأسرة والدولة الأشخاص المسنّين.
كما نص الدستور على عمل الدولة على حماية حقوق المواطنين في الخارج ومصالحهم، في ظل احترام القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة مع البلدان المضيفة والتشريع الوطني وتشريع بلدان الإقامة، وتسهر على الحفاظ على هويتهم وتعزيز روابطهم مع الأمة، وتعبئة مساهمتهم في تنمية بلدهم الأصلي.
في المجال الاقتصادي اعترف المؤسس الدستوري بحرية الاستثمار والتجارة على أن تعمل الدولة على تحسين مناخ الأعمال، وتشجع على ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية، كما تكفل الدولة ضبط السوق، ويحمي القانون حقوق المستهلكين ويمنع الاحتكار والمنافسة غير النزيهة. 
أما في المجال الثقافي نص الدستور الجديد على ضمان الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي، وعلى عمل الدولة على ترقية البحث العلمي وتثمينه خدمة للتنمية المستدامة للأمة، مع ضمان الحق في الثقافة للمواطن حماية الدولة للتراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي وتعمل على الحفاظ عليه.
ومن حقوق الجيل الثالث أصبح للمواطن الحق في بيئة سليمة مع عمل الدولة على الحفاظ عليها ويحدد القانون واجبات الأشخاص الطبيعيين والمعنويين لحمايتها، كما تضمن الدولة الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة، تحمي الدولة الأراضي الفلاحية والأملاك العمومية للمياه.
4.توسيع مجال القانون العضوي لكفالة الحقوق والحريات
تم الارتقاء بالقانون المنظم للجمعيات من مستوى القانون العادي إلى مستوى القانون العضوي، وقد يعود ذلك في نظرنا إلى الانتقادات التي تلقاها قانون الجمعيات الصادر سنة 2012 من مختلف مكونات المجتمع المدني، والتي رأت بأن المشرع ضيق كثيرا على النشاط الجمعوي في الوقت الذي تتجه فيه سياسة الدولة إلى تبني مقاربة تشاركية خاصة على المستوى المحلي حيث نص الدستور على أن الدولة"تشجع الديمقراطية التساهمية على مستوى الجماعات المحلية"، مما يسمح للحركة الجمعوية الفاعلة والجادة أن تكون شريكا للسلطات المحلية في اتخاذ القرارات خاصة منها المرتبطة بالتنمية.
إن الغاية من إدراج تنظيم بعض الحقوق ضمن مجال القانون العضوي سيلزم المشرع مستقبلا بضرورة احترام الدستور، على اعتبار أن القوانين العضوية تخضع لرقابة المطابقة للدستور من قبل المجلس الدستوري إلزاميا، وهو ما يوفر لها قرينة الدستورية قبل صدورها.
5. توسيع إخطار المجلس الدستوري حماية للحقوق والحريات
وسع المؤسس الدستوري حق إخطار المجلس الدستوري من قبل السلطات السياسية إلى كل من الوزير الأول وأعضاء البرلمان.
فإذا كان مستبعدا إخطار الأغلبية البرلمانية للمجلس الدستوري، فإن هذا الحق من شأنه تمكين المعارضة، متى استطاعت جمع عدد التوقيعات المطلوبة(50 نائبا أو 30 عضوا في مجلس الأمة) ، من الطعن أمام المجلس الدستوري في القوانين والتنظيمات والمعاهدات التي ترى بأنها مخالفة للدستور، ويعتبر هذا الإجراء"ضمان لممارسة نظيفة للديمقراطية التعددية. إن هذه الممارسة تمثل فعلا أداة شرعية في أيدي المعارضة، تسمح لها بالتعبير الحر في نقاش هادئ رصين، وبالتالي تساهم في تهدئة العلاقات بين الأغلبية والمعارضة... بدلا من التعبير عن الغضب بالتجاوز اللفظي أو استعمال  العنف".
وقد سبق لهذه الآلية الدستورية أن أثبتت نجاعتها في ظل الجمهورية الفرنسية الخامسة، بعد تمكين أعضاء البرلمان من إخطار المجلس الدستوري بمقتضى التعديل الدستوري لسنة 1974، حتى أصبحت النسبة الغالبة من الإخطارات الموجهة للمجلس الدستوري هي إخطارات أعضاء البرلمان.
كما تم تمكين المتقاضين من هذا الحق من خلال آلية الدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
6.توطيد استقلالية السلطة القضائية حامية المجتمع والحقوق والحريات
كان تدعيم  استقلالية السلطة القضائية من بين أهداف مشروع التعديل الدستوري، باعتبارها مكلفة بحماية المجتمع والحريات، وتضمن للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية، ويظهر ذلك من خلال النص على أن"السلطة القضائية مستقلة، وتُمارَس في إطار القانون ويعتبر رئيس الجمهورية ضامنا لهذه الاستقلالية باعتباره القاضي الأول في البلاد، ويعتبر ذلك امتدادا لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال العدالة المنصوص عليه صراحة في ديباجة الدستور وفي المادة  14 منه.
وتدعيما للحقوق والحريات أصبح التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية مضمونا، وأن تكون الأوامر القضائية معللة على غرار الأحكام القضائية، ويعاقب القانون كل من يعرقل تنفيذ حكم قضائي.
كما يحظر أيّ تدخل في سير العدالة. وعلى القاضي تفادي أيّ موقف من شأنه المساس بنزاهته، وعدم قابلية نقل قاضي الحكم حسب الشروط المحددة في القانون الأساسي للقضاء، كما يتمتع المجلس الأعلى للقضاء بالاستقلالية الإدارية والمالية.
 وضمانا لحق الدفاع، أحد شروط المحاكمة العادلة، نص الدستور على استفادة المحامي من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط وتمكنه من ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون.