توسيع حالات التنافي مع العهدة البرلمانية
محاولة لتحقيق الفصل العضوي بين السلطات
بقلم: الأستاذ الدكتور عمار عباس
باحث في القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة
كلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة مصطفى اسطمبولي، معسكر، الجزائر
abbas.ammar@univ-mascara.dz
مقال منشور بمجلة المجلس الدستوري الجزائري، العدد 05 لسنة 2015، ص ص 31-45
ملخص
أكد رئيس الجمهورية في خطابه الموجه للأمة في 15 أفريل 2011، عن تعديل بعض القوانين وإعداد أخرى جديدة، متعلقة بالممارسة السياسية، مثل القوانين العضوية المتعلقة بالانتخابات والأحزاب السياسية، وتوسيع حظوظ مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة، وهذا تنفيذا لأحكام الدستور، وللالتزامات الدولية للجزائر؛ بهدف تعميق المسار الديمقراطي في البلاد وترقية الحقوق والحريات.
إضافة إلى هذه القوانين وبهدف "ترسيخ أركان دولة القانون وتحسين أداء البرلمان، ورفع جميع أشكال التبعية عن أعضائه وضمان استقلاليتهم وتفرغهم الكلي لممارسة مهامهم"، صدر القانون العضوي المتعلق بتحديد حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وهو قانون تأخر صدوره، لأن دستور 1996 سبق له الإحالة في مادته 103 على قانون عضوي لتحديد الوظائف والأنشطة التي تتنافى مع ممارسة عضو البرلمان لعهدته0
بغية تسليط الضوء على تداعيات تطبيق القانون العضوي المحدد لحالات التنافي مع العهدة البرلمانية على العلاقة بين السلطات، سنتطرق في هذه الورقة، إلى تطور مبدأ الفصل بين السلطات في النصوص الدستورية الجزائرية (أولا)، ثم نحاول بعد ذلك تحليل حالات التنافي ومدى تحقيقها للفصل العضوي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية)ثانيا).
الكلمات المفتاحية: الجزائر، البرلمان، مجلس الأمة، المجلس الشعبي الوطني، الرقابة البرلمانية، العهدة البرلمانية.
consolidate the organic separation of powers, by the enlargement of the cases of incompatibility with parliamentary mondat
Abstract
On the occasion of his address to the nation in April 15, 2011, the President of the Republic announced the project of political and constitutional reforms, which contains the amendment and development of certain laws related to the political practice, such as organic laws relating to the electoral system and political parties, as well as the law wich contains procedures tht increased representation of women in elected assemblies, in accordance with the Constitution and international obligations of Algeria, and in order to deepen the democratic process in the country and the promotion of rights and freedoms.
In addition to these laws, and in order to "consolidate the pillars of the rule of law and improve the performance of Parliament, and the lifting of all forms of dependence of its members, and to ensure to their total independence and availability for exercise of their functions ", another organic law was adopted by parliament setting out the case of incompatibility with parliamentary office, although the 1996 Constitution stipulates in article 103 that the method of election of deputies and those for the election or appointment of members of the Council of Nation, the conditions of eligibility, the rules of ineligibility and incompatibility are defined by an organic law.
To shed light on the consequences of the implementation of the Organic Law No. 12-02 of 12 January 2012 laying down the cases of incompatibility with parliamentary office, on the relationship of powers, we develop in this article, evolution of the principle of separation of powers in Algeria (I), then we try to analyze the cases of incompatibility and their impact on the realization of the organic separation between the legislative and executive power (II).
Keywords: Algeria, Parliament, ,Parliamentary oversight, Parliamentary mondat.
L’élargissement des cas d’incompatibilité avec le mondât parlementaire pour consolider la séparation organique des pouvoirs
Résumé
A l’occasion de son discours adressé à la nation le 15 Avril 2011, le Président de la République a dévoilé, le contenue du projet des réformes politique et constitutionnel, qui contient l'amendement et l’élaboration de certaines lois, liée à la pratique politique, telles que les lois organiques relatives au régime électoral et aux partis politiques, ainsi que celle fixant les modalités d'élargissement de la représentation des femmes dans les assemblées élues, conformément a la Constitution, et au obligations international de l'Algérie, et dans le but d’approfondir le processus démocratique dans le pays ainsi que la promotion des droits et libertés.
En plus de ces lois, et afin de "consolider les piliers de la primauté du droit et améliorer la performance du Parlement, et la levée de toutes les formes de dépendance de ses membres, et de veiller a leur indépendance total et leur disponibilité pour l'exercice de leurs fonctions", une autre loi organique a été adopté par le parlement fixant les cas d'incompatibilité avec le mandat parlementaire, malgré que la Constitution de 1996 stipule dans l’article 103 que Les modalités d’élection des députés et celles relatives à l’élection ou à la désignation des membres du Conseil de la Nation, les conditions d’éligibilité, le régime des inéligibilités et des incompatibilités, sont fixés par une loi organique.
Afin de faire la lumière sur les conséquences de l'application de la Loi organique n° 12-02 du 12 janvier 2012 , fixant les cas d'incompatibilité avec le mandat parlementaire, sur la relation des pouvoirs, nous développons dans cette article, l'évolution du principe de la séparation des pouvoirs en Algérie (I), puis nous essayons d'analyser ensuite les cas d'incompatibilité et leur impact sur la concrétisation de la séparation organique entre le pouvoir législatif et le pouvoir exécutif (II).
Mots clés : Algérie, Parlement, Conseil de la nation, Assemblée populaire national, Contrôle parlementaire, mondât parlementaire.
مقدمة
تضمن مشروع الإصلاحات السياسية الذي بادر به رئيس الجمهورية بمناسبة خطابه الموجه للأمة في 15 أفريل 2011، تعديل حزمة من القوانين واستحداث أخرى، خاصة تلك المرتبطة بالممارسة السياسية، بهدف تعميق المسار الديمقراطي في البلاد وترقية الحقوق والحريات، ويتعلق الأمر على الخصوص بالقوانين العضوية المنظمة للانتخابات والأحزاب السياسية، وبتوسيع حظوظ مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة، تنفيذا لأحكام الدستور، ولالتزامات الجزائر الدولية.
وفي إطار"ترسيخ أركان دولة القانون وتحسين أداء البرلمان، ورفع جميع أشكال التبعية على أعضائه وضمان استقلاليتهم وتفرغهم الكلي لممارسة مهامهم"، تم استحداث قانون عضوي جديد يتعلق بتحديد حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وهو قانون تأخر صدوره، على اعتبار أن الدستور قد أحال إلى قانون عضوي تبيان الوظائف والأنشطة التي تتنافى مع ممارسة عضو البرلمان لعهدته، كا سبق للدساتير الجزائرية السابقة أن أحالت على القانون تحديد حالات التنافي مع المهام البرلمانية.
لقد دخلت قوانين الاصطلاحات، سواء المعدلة أو المستحدثة منها، حيز التطبيق قبل الاستحقاقات الانتخابية المتعلقة بتجديد المجالس المحلية وغرفتي البرلمان في نهاية 2012، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على تركيبة المجالس المنتخبة، حيث لوحظ زيادة العنصر النسوي في المجلس الشعبي الوطني، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات، خاصة على المستوى العضوي، بعد إلزام أعضاء البرلمان بالتفرغ للعهدة البرلمانية.
وبغية تسليط الضوء على انعكاسات تطبيق القانون العضوي المحدد لحالات التنافي مع العهدة البرلمانية على العلاقة بين السلطات، سنتطرق في هذه الورقة، إلى تداعيات حالات التنافي مع العهدة البرلمانية على الفصل العضوي بين السلطات (أولا)، ثم نحاول بعد ذلك تحليل حالات التنافي ومدى مساهمتها في تجسيد الفصل العضوي بين السلطات، خاصة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مبينين في نفس الوقت الاستثناءات التي أدرجها المشرع على حالات التنافي وموقف المجلس الدستوري منها(ثانيا).
أولا: التفرغ للعهدة البرلمانية تجسيدا لمبدأ الفصل بين السلطات
بتبنيه لمبدأ الفصل بين السلطات ابتداء سنة 1989، يكون المؤسس الدستوري الجزائري قد أقام إحدى الدعائم الأساسية للديمقراطية، والتي تستهدف الحد من السلطة، على اعتبار أن السلطة توقف السلطة، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال فصل وظيفي وعضوي بين السلطات(1) هذا الأخير لا يتحقق إلا بمنع الجمع الجمع بين الوظائف، خاصة على مستوى السلطة التنفيذية والتشريعية(2).
1. توسيع الفصل بين السلطات من المجال الوظيفي إلى المستوى العضوي
يتجلى الفصل الوظيفي بين السلطات في اختصاص كل سلطة بوظيفتها بكل سيادة واستقلالية، وعلى هذا الأساس فالسلطة القضائية مستقلة، وتمارس في إطار القانون، والسلطتان التشريعية والتنفيذية لهما السيادة في ممارسة اختصاصاتها المحددة دستوريا، فالبرلمان له السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه ويمارس وظيفته الرقابية على عمل الحكومة طبقا للإجراءات المقررة في الدستور، كما تمتلك السلطة التنفيذية من جهتها، صلاحيات هامة لممارسة الوظيفة التنفيذية دون تدخل من السلطة التشريعية، إلا في الحدود المنصوص عليها دستوريا.
إذا كانت معالم الفصل الوظيفي بين السلطات قد اتضحت، إلا أن الفصل العضوي بقي في حدود ضيقة، على الرغم من النص عليه في الدستور، مع الإحالة على المشرع لتحديد حالاته، غير أن هذا الأخير اكتفى بإدراج حالات محدودة في نصوص متفرقة، كقانون الانتخابات، والقانون الأساسي للنائب وقانون عضو البرلمان، والقانون الأساسي للقضاء؛ إذا استثنينا ما نص عليه الدستور في ما يتعلق بأعضاء المجلس الدستوري، الذين يجب عليهم التوقف عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى بمجرد انتخابهم أو تعيينهم، حفاظا على استقلالية المجلس.
هذا الفراغ التشريعي، لم يتم سده إلا مؤخرا في إطار حزمة القوانين المرتبطة بمشروع الإصلاحات السياسية، التي باشرها رئيس الجمهورية، وقد تجسد ذلك بإصدار قانون جديد يتضمن تحديد حالات التنافي مع العهدة البرلمانية.
2.ضمان الفصل العضوي بين السلطات بتوسيع حالات التنافي مع العهدة البرلمانية
خلافا للنظام البرلماني الذي يقوم على مبدأ الفصل المرن بين السلطات والذي يُعتبر الجمع بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية من بين أهم مظاهره، يرتكز النظام الرئاسي على الفصل المطلق بين السلطات، ومن ثم لا يعرف مثل هذا الجمع بين الوظائف. فأعضاء السلطة التنفيذية لا يمكنهم الانتماء إلى البرلمان، والنواب لا يحق لهم تقلد مناصب وزارية.
على هذا النحو فإن الجمع بين الوظائف غير متاح في النظام الدستوري الجزائري؛ حيث سبق للقانون الأساسي للنائب سنة 1989 التأكيد على عدم إمكانية الجمع بين الوظيفة النيابية والعضوية في الحكومة، أين كان النائب يفقد تلقائيا انتمائه إلى المجلس الشعبي الوطني في حالة تعيينه عضوا في الحكومة، في حين كان نفس القانون لسنة 1979، ينص صراحة على أنه"لا يجوز الجمع بين العضوية في الحكومة والعضوية في المجلس الشعبي الوطني، وتسقط عضوية النائب في المجلس الشعبي الوطني تلقائيا بعد ثمانية أيام من تعيينه في الحكومة".
علما أن القانون المتعلق بعضو البرلمان لسنة 2001، قد نص على أنه"يوضع عضو البرلمان في حالة انتداب قانوني، ويتفرغ كليا للمهام التشريعية والرقابية"، وهو ما يفهم منه عدم إمكانية الجمع بين الوظائف.
لقد كان قصور النص الدستوري والفراغ التشريعي المتعلق بحالات التنافي، دافعا قويا للحكومة الجزائرية لإعداد مشروع قانون يجمع كل حالات التنافي، ويضبطها بدقة، لتمكين البرلمان من الإطلاع"على المهام والوظائف التي يمارسها أعضائه، بالإضافة إلى عهدتهم البرلمانية، وحمايته من الآثار السلبية التي تنجر عن تعارض مصلحة عضو البرلمان مع مهامه"، علما أن المقصود بحالات التنافي هو"الجمع بين العضوية في البرلمان، وعهدة انتخابية أخرى أو بينها وبين المهام أو الوظائف أو الأنشطة التي يحددها قانون حالات التنافي".
من هنا يظهر بأن حالات التنافي تتيح لعضو البرلمان الاحتفاظ بعهدته إذا تخلى عن المهنة أو الوظيفة أو النشاط الذي يتنافى معها، عكس ما هو عليه الأمر في حالات عدم القابلية للانتخاب التي نص عليها قانون الانتخابات والتي تمنع أصحاب بعض الوظائف من الترشح إلا بعد مرور سنة من التوقف عن ممارستها، كالولاة ورؤساء الدوائر والقضاة وأفراد الجيش الوطني الشعبي.
ثانيا:حالات التنافي والاستثناءات الواردة عليها
حاول المشرع التوسيع من حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، فجعلها بذلك تمتد إلى وظائف وأنشطة أخرى، بغية تمكين عضو البرلمان من التفرغ إلى مهامه البرلمانية(1)، غير أن ذلك لم يحل دون استثناء بعض المهام والأنشطة بحكم طبيعتها، ولو أن المجلس الدستوري أجاز بعض هذه الاستثناءات ورفض بعضها لمساسها بمبدأ المساواة المكرس دستوريا(2).
1.توسيع حالات التنافي مع العهدة البرلمانية
لم تعد العهدة البرلمانية تتنافى فقط مع ممارسة وظيفة في الحكومة أو المجلس الدستوري أو القضاء، بل تم توسيعها لتشمل مهن ووظائف وأنشطة أخرى، مما يجعل عضو البرلمان متفرغا لأداء مهامه التي انتخب على أساسها، وعلى رأسها مهمة التشريع والرقابة على عمل الحكومة، ولعل هذا الأمر كان يستهدف ربما التقليل من ظاهرة الغيابات التي يعرفها البرلمان الجزائري، في ظل غياب إجراءات ردعية لهذه الظاهرة التي تعرفها مختلف برلمانات العالم، علما أن نظام التصويت بالوكالة قد ساهم من جهته في تفاقم هذه الظاهرة.
لقد أصبحت العهدة البرلمانية وفقا للقانون الجديد تتنافى مع المهام والوظائف والنشاطات التالية:
-وظيفة عضو في الحكومة؛
-العضوية في المجلس الدستوري؛
-عهدة انتخابية أخرى في مجلس شعبي منتخب؛
-وظيفة أو منصب في الهيئات أو الإدارات العمومية، والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية أو العضوية في أجهزتها وهياكلها الاجتماعية؛
-وظيفة أو منصب في مؤسسة أو شركة أو تجمع تجاري أو مالي أو صناعي أو حرفي أو فلاحي؛
-ممارسة نشاط تجاري؛
-مهنة حرة شخصيا أو باسمه؛
-مهنة القضاء؛
-وظيفة أو منصب لدى دولة أجنبية أو منظمة دولية حكومية أو غير حكومية؛
-رئاسة الأندية الرياضية الاحترافية والاتحادات المهنية.
يلاحظ من خلال تعداد حالات التنافي أن بعضها كان موجود سلفا في نصوص أخرى، كما هو الحال بالنسبة للعضوية في الحكومة والمجلس الدستوري وممارسة مهنة القضاء، أما بعضها الآخر فقد استحدثه المشرع بغية إعطاء نوع من الاستقلالية لعضو البرلمان للتفرغ لمهامه البرلمانية وعلى رأسها التشريع والرقابة وتمثيل الشعب والتعبير عن انشغالاته، وهي مهام تتطلب متابعة مستمرة سواء على مستوى دائرته الانتخابية، أو خلال الجلسات العامة أو اللجان الدائمة، يضاف إلى ذلك بعض المهام التي يكلف بها خارج الوطن.
كما يلاحظ أن المشرع الجزائري لم يكتف بحصر الحالات التي تتنافى مع العهدة البرلمانية، بل توسع ليمنع عضو البرلمان خلال ممارسته لعهدته البرلمانية، من استعمال اسمه الشخصي مشفوعا بصفته في إشهار يخدم مصالح مؤسسة مالية أو صناعية أو تجارية، حتى لا يتحول الانتماء إلى مؤسسة البرلمان مطية لتحقيق مآرب شخصية أو للغير.
2.الاستثناءات الواردة على حالات التنافى مع العهدة البرلمانية
على الرغم من توسيع حالات التنافي، إلا أن المشرع استثنى رغم ذلك ممارسة بعض المهام والأنشطة، واعتبرها لا تتنافى مع العهدة البرلمانية، سواء بالنظر إلى طابعها العلمي والإنساني والثقافي والشرفي، مع عدم تأثيرها على الممارسة العادية للعهدة، بعد موافقة مكتب الغرفة المعنية، أو بالنظر إلى مدتها المؤقتة، ويتعلق الأمر بممارسة:
-نشاطات مؤقتة ، لأغراض علمية أو ثقافية أو إنسانية أو شرفية؛
-مهمة مؤقتة لصالح الدولة ، لا تتجاوز سنة.
وقد حاولت كل من الحكومة والبرلمان استثناء بعض الوظائف والمهام مع العهدة البرلمانية، في مشروع القانون المحال على المجلس الدستوري لرقابة مدى مطابقته للدستور، بالنظر إلى حاجة المجتمع إليها، وكذا لطبيعة التخصص الذي قد يتأثر بالانقطاع عن ممارستها لمدة خمس أو ست سنوات، خاصة فيما يتعلق بتحيين المعلومات؛ ويتعلق الأمر بمهام أستاذ أو أستاذ محاضر في التعليم العالي والبحث العلمي وأستاذ في الطب لدى مؤسسات الصحة العمومية، إضافة إلى التكليف بمهمة مؤقتة لصالح الدولة، لا تتجاوز مدتها سنة.
غير أن المجلس الدستوري ارتأى بأن استثناء هذه الفئات غير دستوري، لأنه يمس بمبدأ المساواة الذي أقره الدستور، وخول المؤسسات السهر على ضمانه؛ حتى وإن كان الدستور كان يمنع المشرع من استثناء بعض الأنشطة من حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، شريطة أن تكون مؤقتة ومحدودة زمنيا ولا تؤثر على الممارسة العادية للعهدة البرلمانية.
مضيفا أن المؤسس الدستوري بإقراره وفقا للمادة 105 من الدستور تحديد حالات التنافي مع العهدة البرلمانية، يستهدف تجنيب عضو البرلمان الجمع بين وضعين قانونيين قد يلحق ضررا بمهمته البرلمانية وينشئ تعارضا بين مهمته ومصالحه؛ كما كان قصده من وراء ذلك تمكين عضو البرلمان من التفرغ كليا لمهمته البرلمانية، حتى يبقى وفيا لثقة الشعب ويظل متحسسا لتطلعاته.
وبناء على ما سبق ارتأى المجلس الدستوري، أن المشرع باستثنائه لمهام أستاذ وأستاذ محاضر في التعليم العالي والبحث العلمي وأستاذ في الطب لدى مؤسسات الصحة العمومية، يكون قد أحدث وضعا تمييزيا بين النواب مقارنة بأصحاب وظائف مماثلة.
خاتمة
لقد ترتب على دخول القانون العضوي المحدد لحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وجود حوالي 52 نائبا في وضعية تنافي مع وظائفهم ومهامهم وأنشطتهم الأصلية، أغلبهم منضمون إلى نقابات، لا سيما منها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وقد فضلوا في الأخير التمسك بعهدتهم البرلمانية، بعد تسوية وضعياتهم، ولعل هذا يعود للامتيازات التي يوفرها القانون الأساسي لعضو البرلمان، سواء في شقها المالي الذي يعتبر مغريا لكثير من الفئات، خاصة الموظفين، حيث أن التعويضة التي يتقاضاها تحسب على أساس أعلى قيمة للنقطة الاستدلالية المعمول بها في الوظيف العمومي، والخاصة بسلك الإطارات السامية للدولة؛ أو في شقها المتعلق بالحصانة البرلمانية.
علما أن بعض الفئات التي تكون في غنى عن التعويضات المالية، يكون اهتمامها منصب أكثر على الحصانة البرلمانية، على النحو الذي عرفته إيطاليا، حيث تبين أن النظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي"يميل إلى إعادة انتخاب نفس الأشخاص، والذين يوضعون دائما في رأس القائمة...وقد أصبح الكثير من النواب القدامى ..يشعرون أنهم يتمتعون بحصانة ضد المساءلة العامة، وقد سهل ذلك من عملية الفساد".
لقد حدد القانون المتعلق بحالات التنافي الإجراءات المتبعة لإثبات التنافي، حيث يلزم عضو البرلمان الذي أثبتت عضويته، بإيداع تصريح لدى مكتب الغرفة المعنية يتضمن تحديد الوظائف والمهام والأنشطة التي يمارسها ولو بدون مقابل، خلال ثلاثين يوما من تاريخ تنصيب أجهزة الغرفة المعنية، وفي حالة ثبوت التنافي يبلغ العضو المعني بذلك، ويمنح مهلة ثلاثين يوما للاختيار بين عهدته البرلمانية والاستقالة .
غير أن تطبيق هذا القانون كشف عن نقائص وفجوات عديدة، دفعت ببعض النواب إلى المطالبة بإدخال تعديلات عليه، نظرا لعدم نصه على تشكيللجنة تحقيق تتكفل بالتحري حول مصداقية التصريحات الشرفية الكتابية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان"منوهين بتمكن الناشطين في المهن الحرة من رجال أعمال وملاك وأصحاب شركات من استعمال أسماء مستعارة في تجارتهم، في مقابل سعيهم على تمرير مشاريع تخدم الفئة التي يمثلونها"؛ لذلك تبقى الممارسة العملية هي التي ستفرز مدى فاعلية هذا القانون، الذي تضمن قاعدة ردعية، في حالة الإدلاء بتصريحات غير صحيحة أو ناقصة لإخفاء حالات التنافي، والتي تطبق عليها عقوبات التصريح الكاذب المنصوص عليها في التشريع الساري المفعول.
- "استنادا مني إلى الدستور، سأعمد إلى استعمال الحق الذي يخولني إياه وأطلب من البرلمان إعادة صياغة جملة العدة التشريعية التي تقوم عليها قواعد الممارسة الديمقراطية وما هو مخول للمواطنين من حيث ممارسة اختيارهم بكل حرية.وإدراكا مني للمسؤولية الواقعة على عاتقي، واعتدادا مني بدعمكم ومراعاة للحفاظ على توازن السلطات، سأعمل على إدخال تعديلات تشريعية ودستورية من أجل تعزيز الديمقراطية النيابية ببلادنا"، من خطاب رئيس الجمهورية الموجه للأمة في 15 أفريل 2011.
-نصت المادة 103 من دستور 1996 على أنه "تحدّد كيفيات انتخاب النواب وكيفيات انتخاب أعضاء مجلس الأمة أو تعيينهم، وشروط قابليتهم للانتخاب، ونظام عدم قابليتهم للانتخاب، وحالات التنافي، بموجب قانون عضوي".
-نصت المادة 29 من دستور 1963 على أنه"يحدد القانــون ...نظام ما يتنافى والنيابة"، كما نصت المادة 130من دستور 1976 على أن القانون يحدد "...حالات التنافي مع شروط العضوية في المجلس"، أماالـمادة 97 من دستور 1989 فقد نصت على أن القانون يحدد"... حالات التنافي مع العضوية في الـمجلس".
-المادة 103 من دستور 1996 ؛ كما كانت المادة الـمادة 97 من دستور 1989 تنص على انه: "يـحدد القانون كيفيات انتـخاب النواب ، لا سيـما عددهم ، وشروط قابليتهم للانتـخاب ، وحالات التنافي مع العضوية في الـمجلس" .
-أنظر المادة 154 من دستور 1989 والمادة 164 من دستور 1996؛ كما نصت المادة 54 من الــنظــام الـمــحدد لـــقــواعــد عـمــل المــجــلـس الدستـوري المصادق عليه بتاريخ 28 يونيو 2000 والمنشور في الج ر ج ج رقم 48 المؤرخة في 6 غشت 2000 ثم المعدل بموجب المداولة المؤرخة في 14 يونيو 2009 و المنشورة في الج ر ج ج رقم 04 المؤرخة في 18 يناير 2009، على أنه"يجب عـلى أعــضـــاء المجلـــس الدستوري أن يتقـيدوا بإلزامية التحفظ ، وأن لا يتخذوا أي موقف علني في المسائل المتعلقة بمداولات المجلس الدستوري"؛ زيادة على المادة 54 مكرر التي أأضيفت بموجب المداولة المؤرخة في يناير 2009والتي نصت على أنه"يمكن رئيس المجلس الدستوري أن يرخّـص لأحد أعضاء المجلس الدستوري بالمشاركة في الأنشطة العلمية والفكرية، إذا كانت لهذه المشاركة علاقة بمهام المجلس ولا يكون لها أي تأثير على استقلاليته ونزاهته".
- تنص المادة 31 من دستور 1996 على انه:" تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كلّ المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعليّة في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية".