القضاء
دور القضاء هو
الفصل في المنازعات المعروضة أمامه مطبقا عليها القوانين السارية في الدولة،
والقضاء بهذه الصورة ليس منتجا لقواعد قانونية بل مجرد مطبق لها حسب القضايا
المعروضة أمامه، غير أن هناك منازعات لا يجد القاضي بشأنها نصا صريحا، فعندما تتاح
له فرصة الاجتهاد لحل النزاع المعروض أمامه، فإنه يلجأ إلى الإبداع لفض الخصومة
المطالب بفضها، علما أن القاضي مقيد بتطبيق النصوص القانونية السارية فقط، إذا
تعلق الأمر مثلا بالقضايا الجنائية تطبيقا لمبدأ الشرعية.
إن القاضي وهو
يباشر عملية الاجتهاد، فإنه لا يقوم بحل النزاع المعروض أمامه فحسب، بل نجده في
نفس الوقت يقوم بعملية اكتشاف لقواعد قانونية جديدة، لم يكن للمشرع يد فيها، وفي
هذه الحالة يكون القضاء مصدرا للقانون.
ولما كان الأمر
يتعلق بالقانون الدستوري فإن القضاء عموما والقضاء الدستوري على الخصوص، كثيرا ما
تتاح له الفرصة للاجتهاد أثناء نظره في المنازعات الدستورية المعروضة أمامه، ويكفي
هنا أن نلاحظ الدور الذي يلعبه المجلس الدستوري الفرنسي في إثراء قواعد القانون
الدستوري من خلال القضايا المعروضة عليه. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للدول التي
توكل مهمة الرقابة على دستورية القوانين للقضاء، حيث كثيرا ما يبدع القاضي
الدستوري في فض المنازعات المعروضة عليه معتمدا على اجتهاده أكثر من تطبيقه للنصوص
القانونية.
ولا تحتاج
المحاكم إلى نص دستوري صريح يمنحها سلطة الرقابة على دستورية القوانين، بل إنه حق
طبيعي ما دام دور القاضي هو تطبيق القانون فمن باب أولى أن يتصدى لكل ما هو مخالف
للدستور باعتباره أسمى النصوص القانونية في الدولة؛ وعلى هذا النحو اعتبرت المحكمة
الفدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها مختصة برقابة دستورية القوانين دون
أن تستند على نص دستوري صريح يخولها هذا الاختصاص.
كما لا يقتصر
الاجتهاد القضائي في المسائل الدستورية على القضاء الدستوري، بل يتعداه إلى بقية
المحاكم، عندما تتصدى للمسائل المرتبطة بالجوانب الدستورية كحقوق الأفراد وحرياتهم
على سبيل المثال.
يجدر التذكير
أن مكانة القضاء كمصدر للقانون بصفة عامة والقانون الدستوري بصفة عامة تختلف من
دولة لأخرى، ففي البلدان التي تأخذ بمبدأ السوابق القضائية نجد القضاء فيها يحتل
مكانة بارزة على غرار الأنظمة الأنجلوسكسونية، في حين تتراجع مكانته في الأنظمة
التي لا تولي للسوابق القضائية أهمية في فض المنازعات القضائية، ومن ثم يتراجع دور
القضاء في إثراء قواعد القانون الدستوري بقواعد قانونية جديدة.
الفـقـه
الفقه عموما هو
مجموع الدراسات والبحوث التي يقوم بها كبار الأساتذة والباحثين الضالعين في مجال
من مجالات العلوم المختلفة، والقضايا الدستورية قياسا على ذلك لها هي الأخرى مكانة
هامة ضمن مجال الدراسات القانونية، فكثيرا ما تنصب دراسات فهاء القانون على
الدساتير والأنظمة السياسية فيكتشفون مزاياها وعيوبها، ويبينون الثغرات الموجودة
فيها ويقترحون سبل سدها.
وعلى الرغم من
عدم إلزامية الدراسات الفقهية، إلا أنها كلما كانت مبنية على حجج منطقية ومؤسسة
على دعائم صلبة تأثر بها السياسيون واستلهمها المشرعون، فتتحول بذلك إلى قواعد
قانونية ملزمة بعد أن كانت مجرد أفكار ونظريات.
ولعل التاريخ
يبين لنا كيف تأثر محررو وثيقة إعلان استقلال المستعمرات البريطانية التي صادق
عليها الكونغرس القاري، وبعدها الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1787 بأفكار جون جاك روسو ومونتسكيو، فتحولت نظرياتهم من
مجرد آراء فقهية إلى قواعد دستورية خاصة ما تعلق منها بمبدأ الفصل بين السلطات
ودوره في تجسيد الحكم الديمقراطي القائم على مبادئ دولة القانون، ونفس الشيء يمكن
قوله على إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي توج الثورة الفرنسية سنة 1789، لتستلهمها بعد ذلك معظم دساتير دول العالم.
الدين
لا تقتصر مصادر
القانون الدستوري على التشريع والعرف والقضاء والفقه، بل تتعداه إلى مصادر أخرى
تختلف أهميتها من دولة لأخرى، فالدين في الدول الإسلامية يحتوي على مبادئ كثيرة
ذات طبيعة دستورية، خاصة تلك المرتبطة بالشورى في الحكم، ومبادئ العدل والمساواة
وحرية المعتقد وحقوق الأجانب وغيرها من المبادئ الكثيرة التي تفتقدها حتى النظم
التي تعتبر نماذج أساسية في الديمقراطية.
كما تحتل
الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع في الدول الإسلامية، لذلك تحرص كثير من
الدساتير إلى التأكيد على اعتبار الإسلام دين الدولة، وهو ما يعني أن مؤسسات
الدولة عليها أن لا تخالف التشريع الإسلامي في ممارساتها، بل أكثر من ذلك فمنها من
يضفي طابع الجمود الموضوعي على مسألة اعتبار الإسلام دين الدولة حتى تحصنه من أي
تعديل دستوري.
ملاحظة:للموضوع مراجع