الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

الدولة الدستورية

الدولة بين الماضي والمستقبل

حمل برنامج الملتقى الكامل وملخصات المداخلات المبرمجة من هذا الرابط
http://sempozyum.isar.org.tr/?iletisim


مؤتمر إيثار الدولي الثاني
الدولة بين الماضي والمستقبل

إسطمبول
21  و22   ديسيمبر 2013



ملخص مــداخــلة  
الدكتور عمار عباس
جامعة معسكر
الجزائر
   abbas.ammar@univ-mascara.dz

محور المداخلة:   الدولة الدستورية

عنوان المداخلة:

مقومات الدولة الدستورية


تعتبر الدولة أرقى التجمعات البشرية وأكثرها تنظيما، ارتبط ظهورها ببروز السلطة، عندما إرتضى الأفرد الإنقسام إلى حكام ومحكومين، حفاظا على الأمن والاستقرار ورعاية حقوقهم، بدلا من الفوضى وقانون الغاب الذي كان يحكمهم؛ وقد كانت نظريات العقد أكثر تعبيرا عن هذا التراضي، سواء كان العقد اجتماعيا  (بين الأفراد أنفسهم) أو سياسيا(بين الأفراد والحاكم).
يعتبر الدستور في الوقت الحاضر الصورة الواقعية لهذا العقد الذي أصبحت لا تخلو دولة من وجوده باعتباره القانون الأسمى في الدولة، في إطاره تتوضح المقومات الأساسية لأي مجتمع، وتتحدد من خلال قواعده  اختصاصات السلطات العامة في الدولة والعلاقة بينها، ويبين في نفس الوقت حقوق الأفراد وحرياتهم ويكفل الحماية لها، حتى قيل أن الدستور هو الموفق بين السلطة والحرية.
 لقد زادت أهمية القواعد الدستورية عندما تحولت من طابعها العرفي إلى قواعد مكتوبة يختص بوضعها الشعب باعتباره مالك السلطة التأسيسية، وقد كان للثورتين الأمركية والفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، بالغ الأثر في انتشار ظاهرة الدساتير المكتوبة التي أصبحت عنوانا لبلوغ الدولة  الرشد السياسي.
تتميز الدولة الحديثة بثلاث خصائص، فهي تحوز الشخصية المعنوية مما يضفي عليها الشخصية القانونية التي تجعلها تتمتع بالحقوق وتتحمل الالتزامات، وهي ذات سيادة تفرض إرادتها داخليا على كل المتواجدين على إقليمها بما تتوفر عليه من امتيازات السلطة العامة ووسائل الإكراه المشروعة، ولا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية ولا تخضع لأي سلطة خارجية؛ وفي مقابل كل ذلك تبقى خاضعة للقانون وعلى رأسه الدستور مما يجعلها توصف بدولة القانون.
لقد انتقلت الدولة من دولة قانون إلى دولة دستورية، عندما تم تقييد السلطة بقواعد قانونية مكتوبة واضحة، محتواة في وثيقة دستورية رسمية توضع من قبل الشعب صاحب السيادة ومالك السلطة التأسيسية،  وما عزز من ذلك وجود قضاء دستوري يسهر على احترامها وسموها على بقية القواعد القانونية، تتيح كثير من  الدساتير للأفراد اللجوء إليه، للطعن في أي نص قانوني مخالف للدستور، ومن شأنه أن يمس بحقوقهم وحرياتهم على وجه الخصوص.

رغم أهمية الدستور إلا أنه ليس الركن الوحيد لقيام الدولة الدستورية بل لا بد من وجود مقومات تتظافر كلها لإرساء الدولة الدستورية تتمثل على الخصوص فيما يلي:
1.وجود دستور يسمو على باقي القواعد القانونية: يتم وضعه وفق إجراءات ديمقراطية يكون الشعب مالك السلطة التأسيسية صاحب الكلمة الأخيرة لإقراره مباشرة عبر الاستفتاء أو من خلال ممثليه المنتخبين في جمعية تأسيسية.
2.فصل واضح بين السلطات الثلاث(التشريعية والتنفيذية والقضائية)، لأن تركيز السلطة يؤدي حتما للتعسف والاستبداد، والفصل بين السلطات يؤدي إلى وجود رقابة متبادلة فيما بينها، فالسلطة توقف السلطة كما رأى المفكر الفرنسي مونتسكيو.
3.كفالة الحقوق والحريات عبر سلطة قضائية مستقلة: الدستور هو الإطار الذي ينص فيه على حقوق وحريات الأفراد مما يوفر لها الحماية من أي انتهاك من قبل المشرع، بوضع آليات لحمايتها.
4.إقامة رقابة دستورية لكفالة احترام الدستور: فسمو الدستور وتربعه على قمة هرم النظام القانوني للدولة لا يتحقق إلا بوجود آلية لتحقيق ذلك، وتبقى الرقابة على دستورية القوانين للتحقق من مدى مطابقتها للدستور، الآلية الناجعة لتحقيق ذلك، سواء كانت هذه الرقابة بواسطة هيئة سياسية من خلال مجلس دستوري كما هو الحال في فرنسا، أو عبر هيئة قضائية في صورة محكمة دستورية، يتاح للأفراد اللجوء إليها للطعن في أي قانون يمس بحقوقهم وحرياتهم المنصوص عليها في الدستور.
كما تضمن آلية الرقابة الدستورية احترام السلطات العامة في الدولة لاختصاصاتها، ويقيدها للعمل في إطار ما حدده لها الدستور من صلاحيات.

الإصلاح الدستوري في دول شمال إفريقيا

وفي سياق التحولات التي يعرفها العالم العربي، تشهد دول شمال افريقيا عملية إصلاح دستوري في محاولة للوصول إلى ترسيخ معالم الدولة الدستورية، ففي الوقت الذي اختارت فيه مصر وتونس وليبيا أسلوب الجمعية التأسيسية لإعداد دستور ما بعد الثورة الذي لا زال يواجه عثرات كثيرة، اختارت كل من الجزائر والمغرب أسلوب اللجنة الفنية لإعداد مشروع التعديل الدستوري والذي انتهى في المغرب بوضع دستور 2011،  يوكون التعديل الدستوري في الجزائر تتويجا لمشروع الإصلاحات السياسية الذي شرع فيه قبل سنتين.
خاتمة

يمكننا القول في الأخير، أنه إذا كنا اليوم لا نجد دولة تخلو من وجود دستور مكتوب إذا استثنينا بريطانيا ذات الدستور العرفي، فإن هذا لا يعني بالضرورة اعتبار هذه الدول دولا دستورية، فالدولة لا تكون كذلك إلا إذا كان واقعها يثبت أنها تقوم على فصل بين السلطات وعلى احترام حقوق الأفراد وحرياتهم، وقد سبق  للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن الذي توج الثورة الفرنسية في مادته 16 التأكيد على أن "كل مجتمع لا يقوم على فصل بين السلطات وعلى ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم هو مجتمع ليس له دستور".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق