مساهمة
في إثراء النقاش حول مشروع التعديل
الدستوري المقترح
بقلم: الأستاذ الدكتور عمار عباس
أستاذ
القانون الدستوري والنظم السياسية
"الاصلاحات الدستورية في الجزائر"
كلية
الحقوق والعلوم السياسية، جامعة معسكر
abbas.ammar@univ-mascara.dz
"إن مراجعة
الدستور محطة هامة في حياة الأمة. وهي تستحق، من ثمة، مشاركة كافة الفاعلين
السياسيين، في كنف احترام الاختلافات وحتى الخلافات من حيث هي أمر مقبول في بلادنا
التي تفتخر بالمستوى الذي بلغته، بعد، تعدديتها الديمقراطية.... من هذا المنطلق، ...
أجدد ندائي إلى الشخصيات والأحزاب السياسية، والمنظمات من أجل أن تسهم في الورشة
ذات البعد الوطني ..التي أرجو أن تفضي إلى مراجعة توافقية".
من كلمة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، خلال
مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 07 ماي 2014.
"Donner
une constitution à la République est un acte d'une extrême importance. Il
requiert notre réflexion, notre raison, notre sagesse ».
Ferhat Abbas
12-08-1963
مقدمة
من خلال اطلاعنا على محتوى التعديل المقترح سجلنا
مجموعة من الملاحظات الإيجابية، سنستعرضها
فيما يلي، ونختتمها باقتراح بعض التعديلات التي سبق لنا الإشارة إليها في العديد
من الدراسات التي أنجزناها سواء تلك التي تم نشرها في بعض المجلات الوطنية أو تلك
التي قدماناها في بعض الملتقيات الوطنية والدولية.
أولا: الملاحظات الإيجابية
تضمن
مشروع التعديل الدستوري المقترح حوانب ايجابية تعتبر بمثابة سد للنقص الذي عترى
الدساتير الجزائرية السابقة، نحاول استعراض أهمها فيما يلي:
1.التأكيد على الرغبة في العمل التوافقي
والتشاركي لتعديل الدستور:
يتأتى ذلك من خلال الرغبة في إشراك مختلف الأطياف
المكونة للساحة السياسية وللمجتمع المدني وكذا الشخصيات الوطنية والأساتذة
الجامعيين لإبداء آرائهم وملاحظاتهم حول مشروع التعديل الدستوري المقترح، وهذا من شأنه أن يتيح للجزائريين، أن يضعوا
لأول مرة في تاريخهم، دستورا في جو من
التوافق، الأمر الذي لم يتحقق للدساتير الجزائرية السابقة التي كتب لها أن توضع في
خضم أزمات حادة، هذا المعطى سيوفر للدستور القادم تحقيق نوع من
الاستقرار للحياة الدستورية والسياسية في البلاد.
تأكيد التعديل الدستوري في نص الديباجة على هذا
التوافق يظهر من خلال الإعتراف لمختلف مكونات الشعب الجزائري بالمشاركة في تشييد دولة عصرية كاملة
السيادة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. حيث أن الصياغة الجديدة تأخذ بعين الاعتبار الطابع
التعددي للمجتمع الجزائري سواء أثناء فترة الاحتلال أو خلال الثورة التحريرية
أوبعد الاستقلال رغم حضر التعددية السياسية، وتبني مبدأ الحزب الواحد؛ حيث كانت
توحي الصياغة القديمة بإقصاء شرائح عديدة من الشعب الجزائري، والتي لم تنخرط في حزب جبهة التحرير الوطني، من فضل المشاركة
في تشييد الدولة العصرية كاملة السيادة، خاصة وأن رموزا من قادة الثورة شكلوا
أحزابا سياسية سرية بعد الاستقلال؛ ولعل هذا التوجه يدخل
في إطار المقاربة التوافقية التي تقوم عليها سياسة الدولة في الفترة الراهنة.
2.دسترة مبدأ التداول الديمقراطي على السلطة
تأكيد الديباجة على حماية
الدستور لمبدأ التداول الديمقراطي على السلطة، يستهدف من دون شك الاعتراف بحق المعارضة في الوصول إلى
سدة الحكم وعدم اقتصار ذلك على الأغلبية الحاكمة، لأن جوهر العمل الحزبي بالإضافة
إلى مساهمته في التنشأة والمشاركة السياسية، يستهدف بالأساس الوصول إلى السلطة
بغية تطبيق برنامج الحزب الذي يتجمع حوله المنخرطون في الحزب والمتعاطفين معه؛ على
أن يكون ذلك عبر العمل السلمي والآليات الديمقراطية وعلى رأسها العملية
الانتخابية.
ونظرا لتتمتع الديباجة
بنفس القوة القانونية لمواد الدستور، يجعل
أي عمل يستهدف الاعتراض على التداول الديمقراطي والسلمي على السلطة مخالف للدستور؛ لذلك، ونظرا لترابط احكام
الدستور مع بعضها البعض، تم اقتراح تحديد تجديد العهدة الرئاسية بمرة واحدة فقط،
على غرار ما هو معمول به في كثير من الدول الديمقراطية، كالولايات المتحدة وفرنسا.
3.دسترة تبني الشعب
الجزائري لمبادئ سياسة السلم والمصالحة الوطنية
يعتبر هذا التوجه تسلسلا
طبيعيا للأحداث، حيث سبق للشعب الجزائري تبني هذه المبادئ من خلال إقراره لميثاق
السلم والمصالحة الوطنية عبر الاستفتاء.
كما أن إدراج هذا المبدأ في ديباجة الدستور وفي
يلقي على عاتق السلطة واجب العمل على تعزيز سياسة السلم والمصالحة الوطنية والذهاب
بها إلى أبعد مدى ممكن، بغض النظر عن من هو موجود في سدة الحكم، كما يجعل أي تقاعس
عن تجسيد هذا المبدأ تخليا عن التزاماتها الدستورية تجاه الشعب الجزائري، ويمنع في
نفس الوقت أي اعتراض من أي جهة كانت على تجسيد هذه المبادئ على أرض الواقع.
4. دعم حماية الاقتصاد الوطني
وذلك من خلال دسترة مبدأ محاربة الرشوة الفاعلة والسلبية، والتصريح
بالممتلكات، وإقرار مصادرة الممتلكات المكتسبة بفعل الرشوة، أيا كانت طبيعتها؛ حيث
أن الارتقاء بحماية الاقتصاد الوطني من مستوى التشريع العادي خاصة من خلال ما تضمنه القانون المتعلق بالوقاية من الفساد
ومكافحته من إجراءات ردعية؛ إلى المستوى الدستوري من شأنه تمكين السلطات العمومية مدعومة بمشاركة
المجتمع المدني، من محاربة مختلف الآفات الخطيرة التي تمس بالمال العام
بفعالية.
5.معاقبة القانون على تحيز الإدارة
لم يكتف مشروع التعديل الدستوري المقترح بالنص
على ضمان حياد الإدارة، وإنما أضاف لها الإحالة على القانون لوضع عقوبات ردعية لأي
شكل من كل أشكال تحيز الإدارة، ويدخل هذا في إطار مبدأ مساواة المواطنين في الحصول
على الخدمات التي تقدمها المرافق العامة.
6.محاولة التوسيع من مجال الحقوق والحريات
يتجلى
ذلك من خلال تأكيد مشروع التعديل الدستوري المقترح على ضمان الحريات المتعلقة
بممارسة الشعائر؛ والتعبير،
وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، والتّجمع والتّظاهر السلمي، والصحافة، بل أكثر من ذلك
أصبحت هذه الاخيرة غيـر مقيّدة بأي شكل من أشكال الرقابة الرّدعية المسبقة، شرط
عدم استغلال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم.
كما تضمن مشروع التعديل
الدستوري المقترح النص على ضمان المحاكمة المنصفة ومنع الحجز أو الحبس في الأماكن
التي لا ينصّ عليها القانون، وإلزامية الفحص الطبيّ للقصر، إضافة إلى إلزام الدولة
بحماية الأطفال المشرّدين، وإسعاف المعوقين والمسنين بلا دخل.
7.تعزيز الدور التشريعي
والرقابي لغرفتي البرلمان
على مستوى الدور التشريعي للبرلمان، استدرك مشروع
التعديل الدستوري المقترح التناقض الذي كان موجودا في دستور 1996 والذي كان من
نتائجه حرمان أعضاء مجلس الأمة من اقتراح القوانين أوإدخال تعديلات عليها، في
الوقت الذي كان بإمكانهم القيام بذلك على قدم المساواة مع نواب المجلس الشعبي
الوطني من خلال اللجنة متساوية الأعضاء، بالتوافق على الأحكام المختلف حولها بين
الغرفتين.
علما أن حق
اقتراح القوانين المخول لأعضاء مجلس الامة
حدد على سبيل الحصر في المجالات المرتبطة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم
والتقسيم الإداري، بالنظر إلى تركيبة مجلس الأمة التي يتشكل ثلثاها من المنتخبين
المحليين.
أما على المستوى الرقابي، يظهر هناك نوع من التقدم
الملموس فيما يتعلق بإلزام الحكومة بنصوص دستورية حتى تبقى خاضعة للرقابة من قبل
أعضاء البرلمان من خلال تحديد مدة عشرين يوما لأعضاء الحكومة للرد خلالها على
استجوابات وأسئلة أعضاء البرلمان الكتابية.
8.تقوية مكانة المعارضة ودورها
في كل الأنظمة الديمقراطية التي تقوم على مبدأ
التداول السلمي على السلطة، تحظى المعارضة بمكانة هامة داخل النظام السياسي،
باعتبارها مرشحة للوصول إلى سدة الحكم لإدارة السياسة العامة للدولة، ومن هذا
المنطلق تعطى لها حقوق تمكنها من إيصال صوتها إلى الأغلبية الحاكمة ومراقبتها.
في هذا الإطار يلاحظ في مشروع التعديل
الدستوري المقترح إعطاء بعض الحقوق للمعارضة، على رأسها تخصيص كل غرفة من غرفتي
البرلمان جلسة شهريا، لمناقشة جدول الأعمال الذي تعرضه مجموعة برلمانية من
المعارضة؛ يضاف إلى ذلك تمكين أعضاء
البرلمان(70 نائبا أو 40 عضوا في مجلس الأمة) من إخطار المجلس الدستوري، وهي آلية من
شأنها تمكين المعارضة، متى استطاعت جمع هذا العدد من التوقيعات، من الطعن أمام
المجلس الدستوري في القوانين والتنظيمات والمعاهدات التي ترى بأنها مخالفة
للدستور.
9.في مجال الرقابة الدستورية
زيادة
على اقتراح توسيع حق إخطار المجلس الدستوري لأعضاء البرلمان تم اقتراح تمكين
الوزير الأول من هذا الحق، إضافة إلى تحديد شروط موضوعية للعضوية في المجلس
الدستوري، من حيث يجب أن يتمتعوا
بخبرة مهنية مدّتها عشرون(20) سنة على الأقل في مجالي التعليم العالي أو القضاء،
أو يكونوا قد شغلوا وظيفة عليا في الدولة أو انتخبوا في إحدى غرفتي البرلمان
لفترتين تشريعيتين على الأقل، وأن يُـشهد لهم بالأخلاق والحياد والنزاهة، الأمر
الذي سيسمح دون شك بوصول الكفاءات للمجلس الدستوري بالنظر إلى الدور المنوط به وعلى
رأسه الرقابة على دستورية القوانين ومدى مطابقتها للدستور، إضافة إلى رقابة صحة
الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاءات والفصل في الطعون المقدمة بشأنها
وإعلان نتائجها النهائية.
كما اقترح مشروع التعديل
الدستور سد الفراغ الذي كان موجودا في دستور 1996 فيما يتعلق بحجية قرارات وآراء
المجلس الدستوري بنصه على أنها "نهائية، وملزمة لكل السلطات
العمومية والإدارية والقضائية"؛ إضافة إلى وضع أجلين لإصدار
المجلس الدستوري لقراراته وآرائه، حيث تم تمديد مدة العشرين يوما التي كانت محددة في دستور 1996
لثلاثين يوما، على انه في حالة الاستعجال يخفض هذا الأجل إلى عشرة أيام بناء على طلب من الوزير الأول.
10. توطيد استقلالية القضاء
على الرغم من أن توطيد استقلالية القضاء كان من
بين الأهداف التي توخاها مشروع التعديل الدستوري المقترح، إلا أن ذلك لم يظهر على
مستوى المشروع إلا من خلال إضافة فقرة واحدة في الفصل المتعلق بالسلطة القضائية
تضمنت
تمكين القاضي من إخطار المجلس الأعلى للقضاء إذا ما تعرض للضغوط والتدخلات والمناورات
التي قد تضر بأداء مهمته، أو أن تمس نزاهة حكمه.
ثانيا: ملاحظات ومقترحات
نحاول تحت هذا العنوان جمع بعض المقترحات
التي سبق لنا إبدائها في بحوثنا المحتواة في هذا الكتاب، وتم تحيينها بالنظر لما
تضمنه مشروع التعديل الدستوري المقترح، تتعلق بالحقوق والحريات وبطبيعة النظام
السياسي الجزائري وبالدور الرقابي للبرلمان وتعزيز دور المعارضة وتفعيل دور المجلس
الدستوري.
1.على مستوى الحقوق والحريات
أ.
المناصفة بين الرجل والمرأة
بعد ما عرفت الحقوق السياسية للمرأة تطورا بارزا بمقتضى
تعديل 2008، والذي ترتب عنه إدراج نظام الحصص الإجباري لتوسيع حظوظ مشاركة المرأة
في المجالس المنتخبة، الذي تم تنظيمه بقانون عضوي بعد ذلك، تضمن
مقترح التعديل الدستوري تعديل المادة 31 مكرر من دستور 1996 لتنص على إلزام
الدولة بالعمل على "تجسيد المناصفة بين الرجل والمرأة
كغاية قصوى، وكعامل لتحقيق ترقية المرأة، وازدهار الأسرة، وتلاحم المجتمع وتطوره، وفي هذا الإطار، تعمل على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع
تمثيلها في المجالس المنتخبة".
من المعروف أن المناصفة بين الرجل والمرأة تعتبر مرحلة
أكثر تقدما في إطار أحكام اتفاقية القضاءعلى مختلف أشكال التمييز ضد المرأة لسنة
1979،
وذلك بتحقيق المساواة التامة بين الجنسين، علما أن نظام الكوتا أو الحصص الإجباري تعتبره
الاتفاقية المذكورة آنفا تمييزا إيجابيا بين المواطنين، وهو مجرد إجراء مرحلي للوصول إلى المساواة التامة بين الجنسين، ولعل
هذا التعديل يحاول استشراف أقصى ما يمكن أن يصل إليه مبدأ المساواة بين الجنسيين
على الخصوص؛ أمر كهذا يبدو صعب التحقيق في مجتمع محافظ يقوم على قيم تقر بعض
التمييز بين المرأة والرجل؛ كما أن المناصفة تتعارض أصلا مع نظام الحصص الإجباري
الذي احتفظ به في مشروع التعديل الدستوري المقترح.
لذلك نقترح تذييل هذه المادة في حالة الاحتفاظ بها
بعبارة"في إطار أحكام الشريعة الاسلامية"، على اعتبار أن هناك أحكام
قطعية الدلالة في الشريعة الإسلامية لا يستقيم معها مبدأ المناصفة، كما هو الحال
بالنسبة لأحكام الميراث والشهادة والطلاق.
ب.
إدراج الجيل الثالث لحقوق الإنسان
على الرغم من
ترقية كثير من النصوص من مستوى التشريع عاديا كان أو عضويا إلى المستوى الدستوري،
لسنا ندري سبب إغفال مشروع التعديل الدستوري المقترح لبعض الحقوق المنصوص عليها في
بعض التشريعات، على غرار حقوق الجيل الثالث المتمثلة في الحق في بيئة سليمة وفي التنمية والحق في
الماء مع إلزام الدولة بالحفاظ على الثروة المائية وترشيد استهلاكها، إضافة إلى
الحق في الحصول على المعلومة، وهي حقوق تمت الإشارة إليها بطريقة مباشرة أو غير
مباشرة في قانون البيئة في إطار التنمية المستدامة وفي قانون الإعلام.
إغفال إدراج
هذه الحقوق، يجعل الدستور الجزائري متخلفا عن الدساتير الجديدة لدول شمال إفريقيا،
لذلك نرى أنه من الضروري دسترة هذه الحقوق، لأن ذلك من شأنه أن يعطي للمجلس
الدستوري قاعدة دستورية يراقب من خلالها مدى احترام المشرع لهذه الحقوق عند تشريعه
في الميادين الاقتصادية والصناعية، والتي يمكن أن تحتوي على أحكام من شأنها الإضرار
بالبيئة، كما تعطي للمدافعين عن البيئة سندا دستوريا للعمل على الدفاع والحفاظ على
البيئة.
كما نقترح في
نفس السياق توسيع نشاط المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي إلى المجال البيئي
وبذلك تصبح تسميته"المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، مع النص على ضرورة استشارته حول مشاريع القوانين
التي لها تأثير على البيئة.
ج.التنمية
المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة
على الرغم من تأكيد رئيس الجمهورية في كل خطاباته
التي تلت فوزه في الانتخابات الرئاسية على التنمية المستدامة البعيدة عن الاقتصاد
الريعي وحماية حقوق الأجيال القادمة، إلا أن ذلك لم حظى بمكانة ضمن مشروع التعديل
الدستوري المقترح.
فقد جدد رئيس الجمهورية التزامه بمساعدة الشعب
الجزائري على السهر على "مواصلة التنمية وعلى بناء اقتصاد متنوع، متنامي القوة،
يكون مكملا لإمكانياتنا من المحروقات"،
وذلك "بتطوير اقتصاد منتج وتنافسي في القطاعات جميعها"؛
كما شدد في مناسبة اخرى على أنه" لم يعد بالإمكان لا
الاستمرار في التهاون في العمل وفي خلق الثروة وتحقيق التراكم وفي القيام
بالواجبات، ولا التمادي في استغلال ما أتاحه الله لنا من الموارد الطبيعية التي هي
ملك للأجيال المقبلة...لقد نهضت الأمم التي اعتمدت على الجهد والعرق، وتخلّفت
الأمم التي اعتمدت على عوائد خاماتها، تماما كما انتصرت بالأمس، الثورات التي
اعتمدت على طاقة أبنائها وفشلت تلك التي أوكلت مصيرها إلى غيرها".
لذلك نرى أنه من الضروري تضمين الدستور القادم
نصا يؤكد على حق المواطن في تنمية مستدامة وإلزام الدولة والمواطنين بالعمل على
حماية حقوق الأجيال القادمة ولما لا استحداث هيئة
تتكفل بذلك.
د. حول تحديد التزامات وواجبات أخرى للأحزاب السياسية بموجب قانون عضوي
يلاحظ هنا أنه بقدر ما يعتبر القانون العضوي ضمانة لحماية حرية تشكيل
الأحزاب السياسية ونشاطها بالنظر إلى الشروط الواجب توافرها في هذا النوع من
القوانين سواء ما تعلق منه بالنصاب المطلوب للتصويت عليه في غرفتي البرلمان أو
خضوعه لرقابة المطابقة للدستور من قبل المجلس الدستوري، غير أنه كان من الأجدر إضافة لمضمون هذا القانون تحديد حقوق الأحزاب
السياسية زيادة على التزاماتها وواجباتها، حتى لا يتحول هذا القانون إلى معرقل
للنشاط الحزبي، وبالتالي يت إفراغ التعددية الحزبية من محتواها.
ه.توسيع مجال القانون العضوي
يلاحظ توسيع مجال القانون العضوي لتنظيم كثير من المسائل خاصة تلك المرتبطة
بالحقوق والحريات، وفي هذا الإطار يلاحظ الارتقاء بالقانون المنظم للجمعيات من
مستوى القانون العادي إلى مستوى القانون العضوي، وربما يعود ذلك إلى الانتقادات التي تلقاها قانون
الجمعيات الصادر سنة 2012 من مختلف مكونات المجتمع المدني، والتي رأت بأن المشرع
ضيق كثيرا على النشاط الجمعوي في الوقت الذي تتجه فيه سياسة الدولة إلى تبني
مقاربة تشاركية.
إذا كان الهدف من وراء ذلك هو إخضاع القوانين المنظمة للحقوق والحريات
للرقابة الدستورية السابقة على اعتبار ان القوانين العضوية تخضع لرقابة المطابقة
للدستور من قبل المجلس الدستوري وهو ما يفر لها قرينة الدستورية، إلا ان ذلك ليس
كافيا بالنظر إلى تركيبة المجلس الدستوري والذي قد يغلب أعضاءه انتمائهم السياسي
على البعد القانوني، وهو انتقاد موضوعي عادة ما يوجه للرقابة السياسية على دستورية
القوانين، لأجل ذلك يبقى تمكين المجتمع المدني من التنظيم في جمعيات عن طريق
الإخطار هو أكبر ضمان لحرية الحركة الجمعوية.
2.حول طبيعة النظام السياسي الجزائري
يبدو جليا من خلال مقترح مشروع التعديل
الدستوري الميل الكلي نحو تبني النظام
الرئاسي، مع الإبقاء على بعض مظاهر النظام البرلماني، وهو ما لا يستقيم مع النظام
الرئاسي.
من المعلوم أن النظام السياسي الجزائري عرف مظاهر
النظام البرلماني على مستوى النصوص
الدستورية التي وضعت بعد الاستقلال مباشرة، ومن أبرز هذه المظاهر المسؤولية السياسية
للسلطة التنفيذية مع حقها في حل البرلمان، إلا أن الممارسة أظهرت الطبيعة الرئاسية
للنظام السياسي الجزائري حتى قبل إنشاء مؤسسة رئاسة الجمهورية في دستور 1963.
غير أن التحول الذي عرفه النظام السياسي الجزائري
انطلاقا من التعديل الدستوري لسنة 1988 ثم في دستوري 1989 و 1996، بمحاولة إقامة
نظام شبه رئاسي على الطريقة الفرنسية، لم يكتب له أن يخضع للتجربة الحقيقية، ورغم
ذلك تم التراجع عنه كليا بمقتضى التعديل
الدستوري لسنة 2008، بحجة التناقضات التي كانت موجودة في الدستور، وعلى رأسها
الخشية من تزامن رئيس للجمهورية مع حكومة من تيار سياسي معارض له، وهو ما قد يحول
دون تطبيق رئيس الجمهورية للبرنامج الذي انتخب على أساسه، مدام الدستور كان يلزم
الحكومة بتطبيق برنامجها، ولعل هذا ما دفع بالمؤسس الدستوري الفرنسي إلى إدخال
تعديلات على دستور 1958 سنة 2008.
في هذا الإطار نرى بأن التمسك بالنظام الرئاسي لا
يستقيم مع التحولات التي يعرفها العالم، والتي تقتضي خضوع السلطة التنفيذية
للمسائلة تطبيقا لقاعدة"حيثما توجد السلطة توجد المسؤولية"؛ والقول
بخضوع حكومة الوزير الأول لممسائلة، يبدو وكأنه
غير طبيعي، لأن السلطة الحقيقية في يد رئيس الجمهورية، وهو ما يجعل من
مسؤولية الحكومة وكأنها مسؤولية سياسية غير مباشرة لرئيس الجمهورية، والذي لا يمكن
للبرلمان مساءلته لأنه منتخب من طرف الشعب، وهو بذلك مسؤول فقط أمام هيئة الناخبين
بمناسبة الانتخابات الرئاسية، والتي بإمكانها تجديد الثقة فيه بإعادة انتخابه، أو
سحبها منه بانتخاب مرشح آخر.
كما يجدر التذكير بأن النظام الرئاسي لم يكتب له
النجاح في دولة غير الولايات المتحدة، فحتى الدول التي تأثرت به في أمريكا
اللاتينية وإفريقيا، بحجة تحقيق الاستقرار وتحقيق التنمية بعد الاستقلال، فشلت في
ذلك، وتولد عنه أنظمة رئاسوية أو رئاسية متشددة، وهو ما أفضى إلى إقامة أنظمة
استبدادية، كما أنه يدفع إلى تعزيز الأحادية الحزبية والتفاف الوصوليين حول حزب
الرئيس.
لذلك نرى أنه من الأجدر تحسين النظام شبه الرئاسي
الذي تم تبنيه منذ 1988، لأنه في رأينا الأصلح
للجزائر في الوقت الحاضر، مادام النظام البرلماني هو الآخر صعب التحقيق في
ظل ضعف الأحزاب السياسية؛ علما أن كثير من الاحزاب السياسية لقترحت على لجنة
المشاورات التي ترأسها السيد عبد القادر بن صالح تبني النظام البرلماني وبدرجة أقل
النظام شبه الرئاسي، في حين لم يفصل بعضها في ذلك.
3.الدور الرقابي للبرلمان
على الرغم من الجدل الذي عرفته الساحة السياسية
والبرلمانية حول علاقة الحكومات المتعاقبة مع البرلمان، هذا الأخير الذي جرد من
استعمال أدوات الرقابة الردعية تجاه الحكومة على الرغم من النص عليها دستوريا،
ونعني هنا اقتراح ملتمس رقابة والتصويت بالثقة، وتجلى ذلك بإحجام الكثير من رؤساء
الحكومات عن تقديم بيان سنوي عن السياسة العامة لحكوماتهم على الرغم من النص
الدستوري الذي يلزمهم بذلك، ولعل هذا الإحجام يستهدف الحيلولة دون استخدام نواب
المجلس الشعبي الوطني للمبادرة بملتمس الرقابة نظرا لأن تحريكه مرتبط ببيان
السياسة العامة والتصويت عليه بأغلبية الثلثين يترتب عنه استقالة الحكومة، علما أن
التصويت بالثقة يكون بطلب من الوزير الأول بمناسبة بيان السياسة العامة.
لذلك وتفاديا للمخالفات الدستورية المتكررة
للحكومات، ندعوا لإلزامها بنص دستوري واضح المعنى بتقديم بيانا سنويا عن سياستها
العامة أمام المجلس الشعبي الوطني، لأن الإكتفاء بتخصيص المجلس الشعبي الوطني جلسة، في كل دورة، لمراقبة عمل
الحكومة بحضور الوزير الأول وجوبا، ليس لها معنى، نظرا لغياب الجزاء المترتب على
هذه المراقبة، بل أن نية المؤسس الدستوري تبدو واضحة في تجريد هذه الرقابة من
الفعالية، ومن ثم ستتحول هذه المناسبة إلى مجرد حوار بين المعارضة والوزير الأول، بل
أكثر من ذلك فرصة لداعمي الحكومة لتثمين جهودها.
كما أن النص في الدستور
على آجال تلزم أعضاء الحكومة لرد على استجوابات وأسئلة أعضاء البرلمان، ليس له
معنى ما دامت هذه الآجال منصوص عليه في القانون العضوي المنظم للعلاقة بين غرفتي
البرلمان وبينهما وبين الحكومة، لأن عدم احترام هذه الآجال وارد، مادامت الحكومات
دأبت على رفض تقديم بيان سنوي عن سياستها العامة رغم النص عليه دستوريا.
كما نرى أنه من الأجدر تقوية وسائل الرقابة السهلة الاستخدام والغير مرتبطة
بمناسبات معينة على غرار لجان التحقيق والأسئلة والاستجوابات وذلك بإزالة كل
العراقيل التي من شأنها الحد من استعمالها أو تحقيقها لأهدافها والمتمثلة في فرض
رقابة مستمرة على الحكومة لدفعها لتقويم عملها.
حيث لوحظ من خلال تحليل الأسئلة البرلمانية على الخصوص، استعمالها أكثر من
طرف الأغلبية الحاكمة نظرا للدور الذي قد يلعبه مكتبي غرفتي البرلمان في استبعاد
أسئلة المعارضة على الرغم من عدم ترتيب أي جزاء جدي على هذه الوسيلة الرقابية،
لذلك نقترح إدراج أنواع جديدة من الاسئلة على غرار أسئلة الساعة، وهي نوع من
الاسئلة تعطى لها الاولوية في جدول الأعمال كلما كانت مرتبطة بقضايا الساعة وهي
آلية تمكن الحكومة من تقديم مواقفها في هذا النوع من القضايا.
4.إعادة التوازن بين غرفتي
البرلمان
من المعروف أن نظام الثنائية البرلمانية الذي تبناه
المؤسس الدستوري الجزائري بمقتضى دستور 1996 أقام علاقة تكاملية بين غرفتي
البرلمان سواء في ميدان الرقابة أو التشريع، ويظهر
هذا التكامل في ممارسة الوظيفة التشريعية من خلال ضرورة مرور مشاريع واقتراحات
القوانين على الغرفتين لمناقشتها والمصادقة عيها، وكذا عبر العمل الرقابي على عمل
الحكومة الذي تقوم به الغرفتين؛ ويظهر التكامل بين الغرفتين في اللجنة المتساوية
الأعضاء في حالة حدوث خلاف بينهما حول أحكام نص من النصوص المعروضة عليهما، إضافة
إلى إمكانية اجتماع البرلمان بغرفتيه تحت رئاسة واحدة، في الحالات التي حددها
الدستور.
وفي
مقابل هذا التكامل بين غرفتي البرلمان كان هناك عدم مساواة بينهما سواء في نوعية
وسائل الرقابة المخولة لكل غرفة، على اعتبار أن المصادقة على مخطط عمل الحكومة
واختتام بيان السياسة العامة باقتراح ملتمس رقابة والتصويت على طلب الثقة، والتي
تترتب عنها المسؤولية السياسية للحكومة، مقتصر استعمالها فقط على المجلس الشعبي
الوطني، في مقابل إمكانية تعرضه للحل دون مجلس الأمة، إلا أن تمكين أعضاء مجلس
الأمة من اقتراح القوانين في مشروع التعديل الدستوري، مع الإبقاء على نصاب ثلاثة
أرباع لمصادقته على القوانين، من شأنه تكريس نوع من التمايز بين الغرفتين على
الرغم من أن الشرعية الانتخابية لنواب المجلس الشعبي الوطني تفوق شرعية أعضاء مجلس
الأمة المنتخبين بالاقتراع غير المباشر زيادة على وجود ثلث معين من بينهم.
لذلك
نقترح إعادة النظر في النصاب الذي يصادق به أعضاء مجلس الأمة على القوانين من
ثلاثة أرباع(3/4) إلى الثلثين(2/3)، علما أن استحداث مجلس الأمة كان من بين أهدافه
جعله كصمام أمان في وجه أي أغلبية متطرفة في المجلس الشعبي الوطني، وذلك من خلال
تقنية الربع المعطل، ولو أن هذا الربع المعطل يمكن أن يتشكل من أحزاب المعارضة
وعندها يتحول إلى خطر يهدد السير العادي للعملية التشرعية، بما فيها حتى التعديل
الدستوري.
5. حكومة نابعة من الأغلبية
كان منتظرا أن يتم التنصيص على إلزام رئيس
الجمهورية بنص دستوري لتعيين الوزير الأول من الأغلبية المشكلة للمجلس الشعبي
الوطني سواء كانت حزبا أو إئتلاف عدة أحزاب، إلا أن ذلك لم يؤخذ بعين الاعتبار في
مشروع التعديل الدستوري المقترح، وبقي رئيس الجمهورية يتمتع بالسلطة التقديرية في
اختيار وتعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه.
على الرغم من أنه لا يمكن أن نتصور أن رئيس
الجمهورية سيستعمل سلطته التقديرية في اختيار وزير أول لايحظى بدعم الأغلبية المشكلة للمجلس الشعبي
الوطني، حتى ولو كان غير منتمي لها سياسيا، إلا أن عدم تكليف الأغلبية برئاسة
الحكومة، من شأنه أن يقضي على التنافس الحزبي في الانتخابات التشريعية الذي يستهدف
الوصول إلى السلطة لتطبيق برنامج الحزب، وتتحول الانتخابات إلى مجرد قناة للوصول
إلى البرلمان للاستفادة من الامتيازات المادية والحصانة البرلمانية؛ مع الاكتفاء
بالمساندة غير المشروطة لحكومة الرئيس، أو المعارضة من أجل المعارضة.
يضاف إلى ذلك أن عدم وضع الأحزاب -سواء كانت
مساندة أومعارضة للرئيس- على المحك لتجريب قدرة كوادرها في إدارة الحكومة، يجعلها
في منأى عن المسائلة، وترمي بالمسئولية
السياسية عن إدارة الشأن العام لرئيس
الجمهورية وحكومته.
والقول بالخشية من تمسك المعارضة بالسلطة في حالة
الوصول إليها، أصبح أمرا مردودد عليه بعد إقتراح إدراج مبدأ التداول الديمقراطي في
الديباجة؛ كما أن الواقع العملي أثبت في الدول العربية المجاورة كيف اصطدمت
التيارات السياسية التي وصلت إلى السلطة في هذه البلدان بحقيقة الميدان، حيث ظهر الفارق الكبير بين التنظير والتطبيق،
في الوقت الذي يؤجل استبعاد التيارات السياسية المعارضة من تولي السلطة الحكم
عليها من قبل الناخبين وتبقى دائما بديلا مطروحا للنظام القائم إلى أجل غير مسمى.
6.تقوية المعارضة
تحظى المعارضة بمكانة هامة في الأنظمة
الديمقارطية، لذلك فهي تحتل مكانة مميزة في النظام السياسي، حيث يتلخص دورها في
كبح الحكومة، وينظر لها دائما بأنها الحكومة البديلة، لذلك غالبا ما تشكل ما يعرف
بحكومة الظل، تتألف من برلمانيين يشرفون على حقائب وزارية موازية للوزارات التي
تتكون منها الحكومة القائمة، فتقوم بناء على ذلك بإعداد برنامج بديل لبرنامجها.
لأجل ذلك هناك مزايا عادة
ما تتمتع بها المعارضة الرسمية للحكومة، على غرار الحق في أخذ الكلمة بعد تدخل
الحكومة في البرلمان، ومنحها مجالا أوسع لطرح الأسئلة واستجواب الحكومة مقارنة
ببقية الأحزاب، وفي بعض الأحيان تستفيد حتى من دعم مادي لتغطية مصاريف البحث
والمستخدمين، لتكوين إطاراتها المرشحة لتولي المناصب العليا في الدولة في حالة
وصولها للحكم.
أما في مشروع التعديل الدستوري
المقترح، فبغض النظر عن بعض ملامح تمكين المعارضة من بعض الحقوق كالنص على تخصيص كل غرفة من غرفتي البرلمان جلسة شهريا، لمناقشة جدول الأعمال الذي
تعرضه مجموعة برلمانية من المعارضة، وتمكين أعضاء غرفتي البرلمان من إخطار المجلس
الدستوري، والذي إن حدث، سيكون في الغالب من برلمانيين ينتمون للمعارضة؛ لم نجد
هناك مؤشرات أخرى على إعطاء مكانة هامة للمعارضة باعتبارها شريك في منظومة الحكم.
يضاف إلى ذلك ففي مقابل أخذ المشروع بعدد تناسبي بين غرفتي البرلمان لإخطار
المجلس الدستوري نظرا لعدم تماثلهما في التشكيل(عدد اعضاء مجلس الامة لا يمكن ان
يتجاوز نصف عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني)، إلا أن اشتراط عدد 70 نائبا أو 40
عضوا في مجلس الأمة يبدو صعب التحقيق خاصة من قبل المعارضة في الغرفتين، لذلك
نقترح تخفيضه إلى 50 في المجلس الشعبي الوطني و 30 في مجلس الأمة لأن فكرة إعطاء
حق الإخطار للكتل البرلمانية في الغرفتين من شأنه إغراق المجلس الدستوري بالطعون
ضد القوانين بحجة عدم دستوريتها.
في هذا الإطار يمكن الاستفادة من التوجه الذي ذهب إليه المؤسس الدستوري
التونسي في دستور 2014 عندما اعتبر
المعارضة مكونا أساسيا في مجلس النواب، وأعطاها حقوقها التي تمكنها من النهوض
بمهامها في العمل النيابي وتضمن لها تمثيلية مناسبة وفاعلة في كل هياكل المجلس
وأنشطته داخليا وخارجيا، وأكثر من ذلك أسند إليها وجوبا رئاسة اللجنة المكلفة
بالمالية ومقرر باللجنة المكلفة بالعلاقات الخارجية، وأعطاها الحق كل سنة في تكوين
وترؤس لجنة تحقيق، في مقابل واجبها بالإسهام قي تنشيط وبناء العمل النيابي.
7.تعزيز
الفصل بين السلطات
كل
الدراسات المتعلقة بالعلاقة بين السلطات في النظام السياسي الجزائري تشير إلى تفوق
السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وعلى الرغم من بعض مظاهر التعاون
والرقابة المتبادلة بين السلطتين(كمواجهة حق حل المجلس الشعبي الوطني بالمسؤولية
السياسية للحكومة أمامه)، إلا أن مجالات تدخل وتأثير السلطة التنفيذية على السلطة
التشريعية تبدو أكثر اتساعا، ويظهر ذلك على الخصوص من خلال تمكين رئيس الجمهورية
من حل المجلس الشعبي الوطني دون قيود موضوعية
واللجوء إلى استفتاء الشعب في كل القضايا ذات الأهمية الوطنية من دون تحديد على
سبيل الحصر، إضافة إلى سلطته في الاعتراض على القوانين وإصدارها، فإذا كان
الاعتراض يمكن تجاوزه بإعادة تصويت المجلس الشعبي الوطني عليها بأغلبية الثلثين،
إلا أن تأخر رئيس الجمهورية في إصدار القانون لا يترتب عليها أي جزاء مما يمكن معه
تعطيل دخول القانون حيز النفاذ، لذلك نقترح تخويل رئيس المجلس الشعبي الوطني
بإصدار القانون في حالة انقضاء ثلاثين
يوما دون إصدارها من قبل رئيس الجمهورية، كما كان عليه الحال في دستور 1963.
ولعل
أكبر مثال على اتساع صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب البرلمان هو إعطاءه صلاحية تشريع
بأوامر في حالات عديدة(عند شغور المجلس الشعبي الوطني و بين دورتي البرلمان؛ وفي
الحالة الاستثنائية ؛ إضافة إلى إمكانية إصدار مشروع قانون المالية بأمر في حالة
عد مصادقة البرلمان عليه خلال 75 يوما)، على الرغم من أنه كان يمكن تقليص
هذه الحالات وحصرها في حالتي الظروف الاستثنائية وشغور المجلس الشعبي الوطني، لأن
تمكين رئيس الجمهورية من التشريع عن طريق الأوامر بين دورتي البرلمان رغم إمكانية
اجتماع هذا الأخير في دورات استثنائية، من شأنه أن يجعل من رئيس الجمهورية سلطة
تشريعية موازية للبرلمان، ويضعف من الدور التشريعي للبرلمان، وهو ما يتناقض مع نص
الدستور على اأن للبرلمان للسيادة في إعداد القانون والتصويت عليه.
8.تدعيم مبدأ التعاون بين السلطات
على
الرغم من تعدد مجالات التعاون والتأثير المتبادل بين السلطتين التفيذية والتشريعية
على الخصوص، إلا أن الاقتصار على النص على استشارة رئيس الجمهورية للسلطة التشريعة
والمجلس الدستوري عند إقدامه على اتخاذ بعض القرارات الهامة، خاصة منها حالات الظروف الاستثنائية(الحصار
والطوارئ والحالة الاستثنائية والحرب)، يبدو أمرا شكليا أكثر منه إجراء جوهري له
تأثير على اتخاذ القرار؛ لذلك نقترح تحديد بعض الحالات التي لا بد من موافقة
البرلمان قبل إعلانها، نظرا لما قد يترتب عنها من آثار قد تحد من حقوق الأفراد
وحرياتهم.
9.
في مجال الرقابة على دستورية القوانين
رغم
العناية التي أولاها مشروع التعديل الدستوري المقترح لتفعيل دور المجلس الدستوري، والتي تظهر على
الخصوص من خلال توسيع حق الإخطار إلى أعضاء البرلمان، إلا أننا نرى أن تمكين
الوزير الأول من الإخطار ليس له معنى في ظل الطبيعة الرئاسية للنظام السياسي
الجزائري، مادام مجرد منفذ لبرنامج رئيس الجمهورية، الأمر الذي لا يتصور معه
إقدامه على الطعن في قوانين قدم هو بنفسه مشاريعها وصادقت عليها الأغلبية البرلمانية
المساندة له.
كما
أن توسيع التشكيلة إلى إثني عشر عضوا لن يكون له أي تأثير على فعالية المجلس بغض
النظر عن تحقيق ذلك لمساواة نظرية في التمثيل بين السلطات الثلاث، إذا علمنا أن
الأربع قضاة المنتخبين والممثلين للسلطة القضائية سبق لهم وأن عينوا كقضاة بمرسوم
رئاسي، يضاف لهم إمكانية انتخاب مجلس الأمة
لعضوين من الثلث الرئاسي، وهو ما يجعل المجلس يدور في فلك رئيس الجمهورية، خاصة
إذا أضفنا إلى ذلك أداء أعضاء المجلس الدستوري للقسم أمام رئيس الجمهورية.
أما
التأكيد على حجية آراء وقرارات المجلس الدستوري في مواجهة جميع السلطات رغم
اهميتها، إلا أن ذلك سبق النص عليه في النظام المحدد لإجراءات عمل المجلس
الدستوري، علما أن بعض الآراء والقرارات أصبحت بحكم ما تضمنه مشروع التعديل
الدستوري المقترح ملغاة، خاصة رأيه المتعلق بفتح العهدات الرئاسية، واشتراط
الجنسية الجزائرية الأصلية لزوج الرئيس.
وتبقى
في نظرنا أحسن وسيلة لتفعيل المجلس الدستوري في غياب إعطاء الحق للمواطنين من
الطعن في القوانين المخالفة للدستور أمام المجلس الدستوري، تمكين هذا الأخير من حق
التحرك التلقائي لرقابة أي نص قانوني يرى بأنه يمس بالحقوق والحريات، أو فيه محالفة
للدستور، على اعتبار أن القوانين العادية والتنظيمات تخضع للرقابة الدستورية
الاختيارية القبلية أوالبعدية لصدورها، وهو ما قد يفضي إلى صدور نصوص قد تتضمن
أحكاما مخالفة للدستور ورغم ذلك تصبح نافذة، وحتى وإن أخطر المجلس بعد صدورها، تكون
قد أنشأت حقوقا ومراكز قانونية، نتيجة عدم تحديد أجل للإخطار بعد دخول القانون حيز
النفاذ، وهو ما من شأنه تهديد الأمن القانوني، وقد سبق أن حدث ذلك مع النص المتضمن
إنشاء محافظة الجزائر الكبرى والذي تم إلغاءه بعد مرور ثلاث سنوات من إصداره.
كما أن الإبقاء على سلطة
المجلس الدستوري في إعداد قواعد عمله والإجراءات الواجب اتباعها امامه، وإن كان
فيه تعزيز لاستقلاليته، إلا انه لا يعقل أن تنفرد جهة مختصة بالفصل في المنازعات
بوضع قواعدها الإجرائية ، لذلك ندعو إلى أن يكون ذلك من اختصاص البرلمان وبقانون
عضوي، على غرار التجربة
الفرنسية.
10. إصلاح النظام الانتخابي
يعود الضعف الذي يشهده أداء المجلس الشعبي الوطني
والإنسداد الذي تعرفه كثير من المجالس
المحلية، إلى نظام التمثيل النسبي المعتمد لتحديد نتائج الانتخابات.
فعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي من وراء تبني نمط
التمثيل النسبي مع تطبيق قاعدة الباقي الأقوى لتحديد نتائج انتخابات أعضاء المجالس
البلدية والولائية وأعضاء المجلس الشعبي الوطني، كان السماح
بترقية التنافس بين التشكيلات السياسية على أساس البرامج وليس الاشخاص، إلا أن الواقع أثبت أن النتائج كانت عكسية، حيث أثبت
الواقع استخدام المال الفاسد لاحتلال رؤوس القوائم بغض النظر عن الحزب وبرنامجه،
ولعل هذا ما ساعد على ظاهرة التجوال السياسي.
لذلك كله، وفي ظل القوائم المغلقة التي لا تتيح
للناخب اختيار الكفاءات من داخل القوائم المتنافسة، نقترح إعادة النظر في نمط
الاقتراع الحالي، وذلك بإعطاءه جرعة من الاقتراع الفردي، خاصة في الانتخابات
التشريعية، وليكن ذلك بتخصيص ثلث المقاعد في كل دائرة للانتخاب الفردي، حيث يتم
الانتخاب بطريقة الاقتراع على الإسم الواحد بالأغلبية في دورين، فهذه الطريقة
ستسمح للكفاءات التي لم تجد مكانها ضمن قوائم الأحزاب بالترشح فرديا وفي دوائر
صغيرة، يكون فيها المترشحون أقرب إلى ناخبيهم، وهو ما يدفع بالأحزاب إلى إعادة النظر
في الطريقة التي تختار وترتب بها مرشحيها، كما يكون بإمكانها تقديم مترشحين باسم
الحزب في الدوائر المخصصة للانتخابات الفردية، وفي هذه الحالة تكون مطالبة بتقديم
أحسن ما لديها من إطارات للظفر بهذه المقاعد.
-حيث دعى رئيس الجمهورية
السيد عبد العزيز بوتفليقة جميع الجزائريين إلى"ترقية توافقية لرغبتنا المشتركة في الديمقراطية، وإلى
الانخراط سويا في بناء جزائر الحداثة، في كنف التمسك بثوابتنا الوطنية ومكونات
هويتنا الوطنية من إسلام وعروبة وأمازيغية"؛ من كلمة رئيس الجمهورية السيد
عبد العزيز بوتفليقة التي وججهها لشعب الجزائري بعد أدائه اليمين الدستوري في 28
أفريل 2014.
-تم اقتراح صياغة المقطع السادس من الديباجة على النحو
التالي:"وبعد أن توجت الحرب التحريرية الشعبية، بقيادة جبهة التحرير
الوطني وبفضل ما بذله خيرة أبناء الجزائر من تضحيات، بالاستقلال، أقدم الشعب الجزائري على تشييد دولة عصرية
كاملة السيادة"، بدلا من " وقد توّجت جبهة التّحرير الوطنيّ ما بذله خيرة أبناء
الجزائر من تضحيات في الحرب التّحريريّة الشّعبية بالاستقلال، وشيّدت دولة عصريّة
كاملة السيّادة".
-أكد رئيس الجمهورية في رسالته بمناسبة أحداث 08 ماي
1945 على أن "بناء الدولة القوية،
العادلة القائمة على الحرية، على مكارم الأخلاق، وعلى المؤسسات الملتزمة بواجباتها
وحدود صلاحياتها، وعلى احترام حرية المواطن، وتيسير حياته وتأمين رقيه وازدهاره،
في كنف التوزان بين الحقوق والواجبات، لا يتحقق إلا بتضافر جهود الجميع واتحادها،
في جو هادئ متحد بعيد عن مناخ الشحناء والتنافر".
-وذلك باقتراح إضافة مقطع جديد إلى ديباجة
الدستور، يدرج قبل المقطع الأخير منها، يحرر كما يأتي:"أن الشعب الجزائري
يتبنى لنفسه مبادئ سياسة السلم والمصالحة الوطنية، ويظل مقتنعا بأن احترام هذه
المبادئ يساهم في الدفاع عن القيم المشتركة، ويعد السبيل التوافقي الذي يحمي مصالح
المجموعة الوطنية.وتعد قيم السلم والمصالحة الوطنية من ثوابت الأمة، التي ينبغي
لها أن تبذل كل ما في وسعها من اجل الدفاع عتها في ظل احترام الجمهورية ودولة
القانون".
-تنص المادة 25 من التعديل
الدستوري المقترح على إضافة مادة 99 مكرر تحرر كالأتي:"يخصص المجلس الشعبي
الوطني جلسة، في كل دورة، لمراقبة عمل الحكومة بحضور الوزير الأول وجوبا. يحدد
قانون عضوي تطبيق هذه المادة."
-cf, Ahmed
Mahiou, la saisine du conseil constitutionnel par les parlementaires
l’expérience française, revue du conseil
constitutionnel, N° 02, 2003, pp. 63-77.
-كانت المادة 167 من دستور
1996 تنص على أنه"يتداول المجلس الدّستوري في جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر
قراره في ظرف العشرين (20) يوما الموالية لتاريخ الإخطار".
-أنظر عمار عباس، مقومات النظام السياسي المنشود ومبرراته"،
المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، عدد 1 ، 2012.
-Cf.,
Loi
constitutionnelle n° 2000-964 du 2 octobre 2000 ; Loi constitutionnelle n° 2008-724 du 23 juillet 2008 de
modernisation des institutions de la Ve République.
- كانت المادة 51 من دستور
1963 تنص على أنه"إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الأجال المنصوص
عليها فإن رئيس المجلس الوطني يتول إصدارها".
-أنظر المادتين 120 و 124
من دستور 1996 .
-تنص المادة 98 من دستور 1996 على أنه" يمارس السّلطة التشريعية
برلمان يتكّون من غرفتين، وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. وله السيّادة في
إعداد القانون والتصويت عليه".