السبت، 31 ديسمبر 2016

المجلس الدستوري الجزائري / في التعديل الدستوري لسنة 2016


المجلس الدستوري الجزائري
في التعديل الدستوري لسنة 2016


بقلم الأستاذ الدكتور: عمار عباس
كلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة مصطفى اسطمبولي، معسكر
الجزائر

سواء في إطار المقترحات التي عرضتها رئاسة الجمهورية سنة 2014 والمتعلقة بتعديل دستور 1996 ومحاولة وضع دستور توافقي[1]، أو ما تضمنه التعديل الدستوري الذي وافق عليه البرلمان بغرفتيه في فبراير 2016، كان تفعيل دور المجلس الدستوري من بين أهداف التعديلات الدستورية، وذلك بتوسيع تشكيلته ووضع شروط للعضوية، إضافة لتمديد حق الإخطار للوزير الأول وأعضاء البرلمان، مع تمكين المتقاضين بالطعن في الأحكام التشريعية الماسة بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، ووضع آجال جديدة للفصل في الإخطارات والدفوع بعدم الدستورية، والتأكيد على إلزامية قرارات وآراء المجلس الدستوري  في مواجهة جميع السلطات.

1.    تشكيلة المجلس الدستوري


على مستوى التشكيلة، تم رفع عدد أعضاء المجلس الدستوري من تسعة (9) أعضاء إلى اثني عشر (12) عضوا[2]، مع استحداث منصب لنائب رئيس المجلس الدستوري حفاظا على استمرارية هذه المؤسسة، حيث يضمن كل من المجلس الدستوري ومجلس الأمة استمرارية الدولة من خلال تجديدهما النصفي كل ثلاث سنوات، الأمر الذي لا يعرضهما لحالات شغور، وهو ما جعل المؤسس الدستوري يمنحهما صلاحية تولي رئاسة الدولة في حالة شغورها لأي سبب كان، كما أن استحداث منصب لنائب رئيس المجلس الدستوري جاء ليغطي الفراغ الذي قد تعرفه رئاسة المجلس في حالة تعرض رئيسه لأي مانع[3].
أصبحت تشكيلة المجلس الدستوري موزعة على النحو التالي:
-         أربعة (4) أعضاء من بينهم رئيس المجلس ونائب رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية؛
-         اثنان (2) ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني؛
-          اثنان(2) ينتخبهما مجلس الأمة؛
-         اثنان (2) تنتخبهما المحكمة العليا؛
-         اثنان (2)  ينتخبهما مجلس الدولة.
وفي حالة تعادل الأصوات بين أعضاء المجلس الدستوري، يكون صوت رئيسه مرجحا[4].

2.    شروط العضوية في المجلس الدستوري

زيادة على ذلك، وضعت شروط صارمة للعضوية في المجلس الدستوري، إذ يجب أن يتمتع أعضاءه  بخبرة مهنية مدّتها خمس عشرة (15)  سنة على الأقل في التعليم العالي في العلوم القانونية، أوفي القضاء، أو في مهنة محام لدى المحكمة العليا أو لدى مجلس الدولة أو في وظيفة عليا في الدولة، وأن يكونوا بالغين أربعين (40) سنة كاملة يوم تعيينهم أو انتخابهم [5].
هذه الشروط ستسمح دون شك، بوصول الكفاءات للمجلس الدستوري بالنظر إلى الاختصاصات المخولة له[6]، وعلى رأسها الفصل في طعون المتقاضين التي ستتم إحالتها عليه من مجلس الدولة والمحكمة العليا، إضافة إلى رقابة دستورية القوانين والتنظيمات والمعاهدات، والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان، ورقابة صحة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والاستفتاءات، والنظر في الطعون المقدمة بشأنها وإعلان نتائجها النهائية[7].

3.    التأكيد على استقلالية المجلس الدستوري

حفاظا على استقلالية المجلس الدستوري أصبح رئيسه ونائبه وأعضاؤه، يتمتعون بالحصانة القضائية في المسائل الجزائية خلال عهدتهم، وبذلك لا يمكن أن يكونوا محل متابعات أو توقيف بسبب ارتكاب جريمة أو جنحة إلا بتنازل صريح من المعني بالأمر أو بترخيص من المجلس الدستوري[8]، وتأكيدا على حيادهم والتزامهم بأداء مهامهم، يؤدي أعضاء المجلس الدستوري اليمين أمام رئيس الجمهورية قبل مباشرة مهامهم، وقد حدد الدستور نص القسم الذي يكون على النحو التالي :"أقسم بالله العلي العظيم أن أمارس وظائفي بنزاهة وحياد، وأحفظ سرية المداولات وأمتنع عن اتخاذ  موقف علني في أي قضية تخضع لاختصاص المجلس الدستوري"[9].

4.    توسيع حق إخطار المجلس الدستوري

من بين أهم التجديدات التي جاء بها التعديل الدستوري لسنة 2016 هي توسيع حق إخطار المجلس الدستوري للوزير الأول إضافة  لأعضاء البرلمان(خمسون (50)عضوا في المجلس الشعبي الوطني أو ثلاثون (30) عضوا في مجلس الأمة)، وهو ما من شأنه أن يمكن المعارضة من الطعن في دستورية القوانين التي ترى بأنها مخافة للدستور، وهي آلية تسمح بالضغط على الأغلبية الحاكمة وإلزامها بالتشريع في إطار الدستور[10].
 نلاحظ هنا مخالفة المؤسس الدستوري الجزائري لما ذهب إليه المؤسس الدستوري الفرنسي الذي منح حق الإخطار لأعضاء غرفتي البرلمان على قدم المساواة بتحديده لنصاب ستين (60) عضوا[11]، في حين أخذ المؤسس الدستوري بمبدأ النسبية، نظرا لأن عدد أعضاء مجلس الأمة أقل من عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني بكثير[12]

5.    تمكين المتقاصين من الدفع بعدم دستورية القوانين

وسع المؤسس الدستوري حق الطعن للمتقاضين، حيث يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع، ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، على أن تحدد شروط  وكيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب قانون عضوي[13]، كما سيستدعي ذلك إدخال تعديلات على قوانين الإجراءات المدنية والإدارية والجزائية حتى تتكيف مع هذا المعطى الجديد.

6.    آجال الفصل في الإخطارات والدفوع بعدم الدستورية

تم وضع أجلين لإصدار قرارات وآراء المجلس الدستوري، حيث تم تمديد مدة العشرين (20) يوما في دستور 1996 إلى ثلاثين (30) يوما، لمنحه مهلة كافية للفصل في الإخطارات الموجهة إليه، على أن يخفض هذا الأجل لعشرة (10) أيام،  في حالة وجود طارئ[14]، بناء على طلب من رئيس الجمهورية[15]، عوض الوزير الأول كما كان مقترحا في مشروع التعديل الدستوري لسنة 2014[16]؛ أما عندما يخطر المجلس الدستوري من قبل المتقاضين في إطار الدفع بعدم الدستورية على أساس المادة 188، فعلبه أن يصدر قراره  خلال الأشهر الأربعة (4) التي تلي تاريخ إخطار، ويمكن تمديد هذا الأجل مرة واحدة لمدة أقصاها أربعة (4)  أشهر، بناء على قرار  مسبّب من المجلس، ويبلّغ إلى الجهة القضائية التي أحالت الإخطار[17].

7.    القوة الإلزامية لقرارت وآراء المجلس الدستوري

تأكيدا على القوة الإلزامية لقرارات وآراء المجلس الدستوري، وسدا للفراغ الذي كان موجودا في دستور 1996، تم النص صراحة على أنها"نهائية، وملزمة لكل السلطات العمومية والإدارية والقضائية"[18]، علما أن المجلس الدستوري سبق له وأن تدارك هذا النقص من خلال النظام المحدد لقواعد عمله[19].

8.    النتائج المترتبة على قرارات وآراء المجلس الدستوري

تأرجح النتائج المترتبة على رقابة المجلس الدستوري، بين حالتين وهما الإقرار بالدستورية أو عدمها، فمتى ارتأى أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري، فقد أثره ابتداء من يوم قرار المجلس، وإذا اعتبر نص تشريعي ما غير دستوري على أساس الماد 188، يفقد أثره ابتداء من التاريخ الذي يحدّده قرار المجلس الدستوري[20]، في حين أن الإقرار بالدستورية يضفي على النص المراقب قرينة الدستورية، وبحصنه من أي طعن لاحق، كما أكد على ذلك المجلس في بعض قراراته[21].




[1]-"إن مراجعة الدستور محطة هامة في حياة الأمة. وهي تستحق، من ثمة، مشاركة كافة الفاعلين السياسيين، في كنف احترام الاختلافات وحتى الخلافات من حيث هي أمر مقبول في بلادنا التي تفتخر بالمستوى الذي بلغته، بعد، تعدديتها الديمقراطية.... من هذا المنطلق، ... أجدد ندائي إلى الشخصيات والأحزاب السياسية، والمنظمات من أجل أن تسهم في الورشة ذات البعد الوطني ..التي أرجو أن تفضي إلى مراجعة توافقية"P من كلمة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، خلال مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 07 ماي 2014.
[2]  -المادة 164 من دستور الجزائر لسنة 2016.
[3]-كما قد بتأخر تعيين رئيس المجلس الدستوري، كما سبق وأن حدث بعد انتهاء عهدتي السيدين محمد بجاوي و بوعلام  بسايح، انظر يومية الخبر المؤرخة في 28/11/2011.
[4] -المادة 164 من دستور الجزائر لسنة 2016.
[5] -المادة 184 من دستور الجزائر لسنة 2016، وقد كان مقترحا في مشروع 2014،  20 سنة  خبرة، أو انتخبوا في إحدى غرفتي البرلمان لفترتين تشريعيتين على الأقل، وأن يُـشهد لهم بالأخلاق والحياد والنزاهة. 
[6]- أشرف رئيس المجلس الدستوري، السيد مراد مدلسي, في 23 أكتوبر 2016 على تنصيب الأعضاء الجدد للمجلس بعد استكمال التشكيلة المنبثقة عن التعديل الدستوري لسنة 2016، وقد تضمن المرسوم الرئاسي رقم 16-210 المؤرخ في 27 يوليو 2016 نشر القائمة الاسمية لأعضاء المجلس الدستوري على النحو التالي:
السيد مراد مدلسي رئيسا،السيد حبشي محمد نائبا للرئيس، السيدة حنيفة بن شعبان عضوا، السادة: عبد الجليل بلعلى، إبراهيم بوتخليل، حسين داود، عبد النور قراوي، محمد ضيف، إسماعيل بليت، الهاشمي براهمي، كمال فنيش والسيدة  فوزية بن قلة أعضاء.
[7]-أنظر عمار عباس، دور المجلس الدستوري الجزائري في ضمان مبدأ سمو الدستور، مجلة المجلس الدستوري الجزائري، العدد 01 ، 2013.
[8]-المادة 184 من دستور الجزائر لسنة 2016.
[9]-نصت المادة 183  من دستور الجزائر لسنة 2016 .
[10]-المادة 187  من دستور الجزائر لسنة 2016.
[11] -cf, Ahmed Mahiou, La saisine du Conseil constitutionnel par les parlementaires : l’expérience française ; Revue du Conseil constitutionnel, N°2-2013, pp. 63-77.
[12] -كان دستور الجزائر لسنة 1996 ينص صراحة في الفقرة الثالثة من المادة  101 منه على أن عدد أعضاء مجلس الأمة يساوي على الأكثر نصف عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
[13]-المادة  188 من دستور الجزائر لسنة 2016.
[14]-المادة 187 من دستور 2016 ، بدلا من "في حالة  الاستعجال" كما كان مقترحا في مشروع التعديل الدستوري المقترح سنة 2014.
[15]-المادة 189 من دستور الجزائر لسنة  2016.
[16]-كانت المادة 167 من دستور الجزائر لسنة 1996 تنص على أنه"يتداول المجلس الدّستوري في جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف العشرين (20) يوما الموالية لتاريخ الإخطار".
[17]  -المادة  189 من دستور الجزائر لسنة 2016.
[18]-المادة  191 من دستور الجزائر لسنة 2016، أنظر كذلك  المادة 47  من مشروع التعديل الدستوري المقترح سنة 2014.
[19] - نصت المادة  54 من  الــنظــام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري، الـمــؤرخ في 16 أبريل 2012 المنشور بالجريدة الرسمية  عدد 26  المؤرخ في 3 مايو 2012 على أن "آراء وقرارات المجلس الدستوري نهائية ومــلـزمة للكـــافة".
[20] -المادة 191 من دستور الجزائر لسنة  2016.
[21] -انظر على سبيل المثال قرار المجلس الدستوري  رقم  01/95  المؤرخ في  06/08/1995 والمتعلق بالأمر المؤرخ في 19/07/95،  المتضمن تعديل قانون الانتخابات، أنظر بالتفصيل حول هذا الموضوع، الأمين شريط، مكانة البرلمان الجزائري في اجتهاد المجلس الدستوري، مرجع سبق ذكره، ص ص 8-9.