الأحد، 17 مارس 2013

عناصر من محاضرة مبدأ الفصل بين السلطات

مبدأ الفصل بين السلطات

كانت الأنظمة السياسية القديمة تقوم على مبدأ وحدة السلطة وتركيزها في يد شخص واحد باعتبار الحاكم هو صاحب السلطة المطلقة ومالك السيادة

هذا ما أدى إلى الاستبداد والتعسف

فنادى الفلاسفة والمفكرون بضرورة الفصل بين السلطات

لأن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة

power corrupts and absolute power corrupts absolutely
 

 تعريف مبدأ الفصل بين السلطات

توزيع وظائف الدولة على هيئات مستقلة عن بعضها البعض

فيكون لدينا بذلك ثلاث سلطات:

تشريعية تضع القوانين  وتنفيذية تسهر على تنفيذها  وقضائية تفصل في المنازعات

في ظل التعاون والرقابة المتبادلة

توزيع وظائف الدولة على هيئات مستقلة عن بعضها البعض

فيكون لدينا بذلك ثلاث سلطات:

تشريعية تضع القوانين  وتنفيذية تسهر على تنفيذها  وقضائية تفصل في المنازعات

في ظل التعاون والرقابة المتبادلة
 ونتسكيو ومبدأ الفصل بين السلطات

نادى بالمبدأ كثير من الفلاسفة والمفكرين منذ القدم (أرسطو ، وأفلاطون....وكذا في القرن الثامن عشر، لوك ، روسو، وغيرهم)

غير أن المبدأ ارتبط بالمفكر الفرنسي مونتسكيو الذي قال:

”كل إنسان لديه سلطة يميل  إلى الإفراط في ممارستها“..ومن ثم“فالسلطة توقف السلطة“

« Le pouvoir arrête le pouvoir »
 
أنواع الفصل بين السلطات

يأخذ مبدأ الفصل بين السلطات عند تطبيقه صورتان:

فصل مطلق

فصل مرن

ويتحدد ذلك على الخصوص، بناء على العلاقة القائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتبقى السلطة القضائية مستقلة
الفصل المطلق
 
يأخذ مبدأ الفصل بين السلطات عند تطبيقه صورتان:

فصل مطلق

فصل مرن

ويتحدد ذلك على الخصوص، بناء على العلاقة القائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتبقى السلطة القضائية مستقلة
الفصل المطلق
 
توزيع وظائف الدولة على ثلاث  سلطات(تشريعية وتنفيذية وقضائية )

دون أن تتدخل إحداها في اختصاص الأخرى، ودون أن تمتلك وسائل للتأثير عليها

لتحقيق المساواة والتوازن بينها

وجد هذا التصور تطبيقا له في دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1787
  الفصل المرن
يقوم على توزيع وظائف الدولة بين ثلاث سلطات (تشريعية وتنفيذية وقضائية )

في ظل وجود تعاون وتأثير متبادل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على الخصوص

التعاون:من خلال مشاركتهما في اختصاصات بعضهما البعض

التوازن: بوجود وسائل التأثير المتبادلة(حل البرلمان  والمسؤولية السياسية للحكومة)
 
  مزايا مبدأ الفصل بين السلطات

حماية الحرية ومنع الاستبداد

اتقان السلطات لوظائفها في ظل التخصص

تجسيد لمبدأ دولة القانون

من الركائز الاساسية  للنظم الديمقراطية
 
 عيوب مبدأ الفصل بين السلطات

يضعف سلطة الدولة بتوزيعها على ثلاث هيئات

يؤدي إلى تهرب كل سلطة من مسؤوليتها

مبدأ نظري يصعب تطبيقه على ارض الواقع لأن سلطات الدولة متداخلة 
 
 واقع مبدأ الفصل بين السلطات
لايوجد فصل مطلق بين السلطات على أرض الواقع

الفصل لا يعني تنافر السلطات وعدم تعاونها ومراقبة بعضها البعض

حتى وإن لم يتم النص على مجالات للتعاون في الدساتير، فالممارسة العملية تفرض ذلك

يؤكد الواقع في كثير من الأنظمة السياسية سيطرة السلطة التنفيذية

وجود أنظمة تقوم على فكرة الدمج بين السلطات

الأربعاء، 13 مارس 2013

الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر

 واقع الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر


بقلم الدكتور عمار عباس
كلية الحقوق جامعة مصطفى اسطمبولي، معسكر، الجزائر
   abbas.ammar@univ-mascara.dz

إن خضوع الدولة للقانون مبدأ يراد من وراءه أن يكون كل من الحكام والمحكومين وجميع السلطات في الدولة خاضعين لقوانين الدولة، سواء كانت هذه القوانين عبارة عن تشريعات عادية تضعها السلطة التشريعية أو تشريعات أساسية متمثلة في الدستور، هذا الأخير الذي يعتبر أعلى قانون  في الدول ذات الدساتير الجامدة، يسمو على جميع القوانين، وهذا السمو لنصوص الدستور يعتبر خاصية من خصائص دولة القانون تطبيقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية.
إن مبدأ سمو الدستور يراد منه وجود الدستور على قمة هرم النصوص القانونية في الدولة، مما يقتضي احترام النصوص التشريعية الأدنى لأحكام الدستور سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية.؛ يثار مبدأ سمو الدستور فقط في ظل الأنظمة ذات الدساتير الجامدة، أما تلك التي تأخذ بالدساتير المرنة فلا تثار فيها هذه المسألة على اعتبار أن الدستور في هذه الأنظمة يتساوى من حيث التدرج مع التشريعات العادية، فنجد أحكامه تعدل بنفس الكيفية التي تعدل بها التشريعات العادية سواء من حيث الجهة المختصة أو من حيث الإجراءات المتبعة.
غير أنه رغم الإقرار للدستور بالسمو على بقية القواعد القانونية إلا أن ذلك يبقى مبدأ نظريا إذا لم تتوافر الآلية  الناجعة لتجسيد هذا السمو واحترامه، خاصة إذا عرفنا أن القوانين التي تصدر مخالفة للدستور تعتبر باطلة ولا يعتد بها[1]، وتتجلى هذه الآلية في الرقابة على دستورية القوانين التي تقوم بها الجهة المخولة بذلك، بمعنى التأكد من عدم مخالفتها للدستور شكلا وموضوعا.
على هذا الأساس فعملية الرقابة على دستورية القوانين هي ذلك التحري الذي تقوم به الهيئة المكلفة بعملية الرقابة قصد التأكد من احترام القوانين لأحكام الدستور، والتعرف عما إذا كانت السلطة التشريعية على الخصوص قد التزمت حدود اختصاصاتها المحددة من قبل الدستور.
        لقد اختلفت الدساتير في تبني الطريقة التي تتم بها عملية الرقابة، ومن ثم في تحديد الجهة التي يعهد لها بممارسة هذه الوظيفة، فمن الدساتير من عهد بهذه المهمة لجهة قضائية ومنها من جعله في يد هيئة سياسية، في حين هناك من الأنظمة من كانت تجعلها اختصاصا خالصا لهيئة نيابية كما كان عليه الحال في بعض الدول الاشتراكية.
وبالنظر إلى طرق تعديل الدستور الجزائري يظهر جليا بأنه دستور جامد يتطلب وجود رقابة دستورية لضمان احترامه من طرف النصوص القانونية الأدنى، لذلك لم يتردد المؤسس الدستوري الجزائري في تبني هذه الرقابة منذ وضع أول دستور للبلاد بعد الاستقلال مباشرة، وبناء على ماسبق يمكننا التساؤل عن مكانة الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر، وعن  العوائق التي تحول دون فعاليتها؟.

أولا:تطور الرقابة على دستورية القوانين في الجزائر
لقد تضمن أول دستور للجمهورية الجزائرية في سنة 1963 مبدأ الرقابة على دستورية القوانين وذلك من خلال النص على إنشاء مجلس دستوري يكلف بالرقابة على دستورية القوانين والأوامر التشريعية[2]، وقد نص الدستور على أن هذا المجلس يتشكل من سبعة أعضاء موزعين كالتالي[3]:
-ثلاث أعضاء يمثلون السلطة القضائية وهم الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيسي الغرفتين المدنية والإدارية بالمحكمة العليا؛
-ثلاثة أعضاء يمثلون السلطة التشريعية يعينهم المجلس الوطني؛
-عضو واحد يمثل السلطة التنفيذية يعينه رئيس الجمهورية.
أما رئيس المجلس فينتخب من طرف ومن بين أعضاء المجلس السبعة، وله صوت مرجح[4]، وفي ما يتعلق بصلاحية إخطار المجلس الدستوري فقد منحت لكل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني، غير أن المجلس الدستوري لم يتم تنصيبه أصلا نظرا لتعليق العمل بالدستور بعد ثلاثة أسابيع من الموافقة عليه.
 على خلاف دستور 1963 فقد أغفل دستور 1976 مبدأ الرقابة على دستورية القوانين حيث لم تتضمن أحكامه أي نص على إنشاء هيئة تتكفل بالرقابة على دستورية القوانين، نظرا لأن فكرة الرقابة على سلطات الدولة من طرف جهة خارجة عن هيئات الحزب، كانت تبدو مهمة مستحيلة في ظل نظام يهيمن عليه الحزب الواحد[5].
أما دستور 1989 الذي جسدت أحكامه مبادئ دولة القانون، من خلال النص على مبدأ الفصل بين السلطات وتبني التعددية الحزبية وتوسيع مجال الحقوق والحريات العامة[6]، فكان طبيعيا أن ينص على مبدأ الرقابة الدستورية من خلال إنشاء مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور وذلك بالفصل في مدى دستورية القوانين والتنظيمات والمعاهدات، وكذا مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور، كما كلف بالسهر على صحة عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والتشريعية وإعلان نتائجها وتلقي الطعون بشأنها[7].
كان المجلس الدستوري في ظل دستور 1989 يتشكل من سبعة أعضاء موزعين كالتالي[8]:
-ثلاثة أعضاء يمثلون السلطة التنفيذية يعينهم رئيس الجمهورية بما فيهم رئيس المجلس؛
-عضوين يمثلان السلطة التشريعية ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني من بين أعضاءه؛
-عضوين يمثلان السلطة القضائية تنتخبهما المحكمة العليا من بين أعضائها.
بقيت صلاحية إخطار المجلس الدستوري على ما كان عليه الحال في ظل دستور 1963، مقصورة على كل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني.
وإذا كان دستور 1996 قد حافظ على النص على مبدأ الرقابة الدستورية التي يقوم بها المجلس الدستوري، إلا أن تشكيل المجلس وصلاحياته وإخطاره قد عرفت تطورا على ما كان عليه الحال في ظل دستور 1989.

ثانيا:سير المجلس الدستوري واختصاصاته في ظل دستور 1996
كما سبقت الإشارة إليه، فقد عرف المجلس الدستوري الجزائري، في ظل دستور 1996، تطورا إن على مستوى تشكيلته أو اختصاصاته، وذلك يعود إلى ظهور مؤسسات دستورية جديدة، كان من الضروري تمثيلها على مستوى المجلس، أو من حيث الاختصاص، حيث أدرج دستور 1996 نوعا جديدا من القوانين التي يتطلب الدستور خضوعها للرقابة الدستورية القبلية، تتمثل في القوانين العضوية.

1.تشكيلة المجلس الدستوري في ظل دستور 1996
أصبح المجلس الدستوري يتكون من تسعة أعضاء موزعين كالتالي:
-ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية؛
-عضوين ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني من بين أعضاءه؛
-عضوين ينتخبهما مجلس الأمة من بين أعضاءه؛
-عضو واحد ينتخبه مجلس الدولة؛
-عضو واحد تنتخبه المحكمة العليا.
يضطلع أعضاء المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، على أن يجدد نصفهم كل ثلاث سنوات باستثناء رئيس المجلس الذي يعين لفترة مدتها ست سنوات، كما يمكن أن تنتهي عهدة العضو بسبب الوفاة أو الاستقالة أو المانع الدائم. وفي هذه الحالات، تجرى مداولة يتم عقبها تبليغ السلطة الدستورية المعنية، حسبما إذا العضو المعني منتخبا أو معينا.
 وحتى يتفرغ أعضاء المجلس لمهامهم ويحتفظوا باستقلاليتهم تتنافى العضوية في المجلس مع ممارسة أي عضوية أوظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى، أو أي نشاط عام أو خاص، كما يمنع على كل عضو الانخراط في أي حزب سياسي[9]، كما يلزم أعضاءه بمراعاة واجب التحفظ[10]، وتدعيما لهذه الاستقلالية يمارس المجلس الدستوري بنفسه السلطة التأديبية على أعضاءه[11].  

2.اختصاصات المجلس الدستوري
زيادة على اختصاصه الرقابي يمارس المجلس الدستوري اختصاصات انتخابية واستشارية. ففي المجال الرقابي يسهر المجلس الدستوري على رقابة دستورية القوانين والتنظيمات والمعاهدات، كما يسهر على رقابة مطابقة القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان  للدستور[12]؛ وفي ما يخص الاختصاص الانتخابي يتولى المجلس مراقبة صحة الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاءات ويتلقى الطعون المقدمة بشأنها ويعلن نتائجها النهائية[13].
أما الاختصاص الاستشاري للمجلس الدستوري فيتجلى في استشارة المجلس من طرف رئيس الجمهورية قبل إعلانه لحالة الحصار والطوارئ والحالة الاستثنائية، كما يتدخل المجلس الدستوري للتأكد من شغور رئاسة الجمهورية في حالة استقالة أو مرض أو وفاة رئيس الجمهورية، ويصل الأمر إلى تولي رئيس المجلس الدستوري لرئاسة الدولة في حالة تزامن شغور رئاسة الجمهورية مع شغور المجلس الشعبي الوطني[14].

3.إخطار المجلس الدستوري
أصبح المجلس الدستوري في ظل دستور 1996 يخطر من طرف كل من رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة. غير أنه يجب الإشارة إلى أن الدستور قصر مهمة إخطار المجلس الدستوري على رئيس الجمهورية فقط كلما تعلق الأمر برقابة المطابقة القبلية والإلزامية التي يمارسها المجلس الدستوري على القوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان[15].
إن تقليص جهات الإخطار وحصرها في ثلاث شخصيات فقط، مع عدم قدرة المجلس الدستوري على التحرك من تلقاء نفسه، كلها عوامل من شأنها التقليل من فعالية المجلس الدستوري، وكان بالإمكان على الأقل الأخذ بالتجربة الفرنسية في هذا المجال من خلال توسيع صلاحية الإخطار إلى كل من رئيس الحكومة ومجموعة من أعضاء البرلمان.

ثالثا:النتائج المترتبة على رقابة المجلس الدستوري
إذا ما أخطر المجلس الدستوري من طرف الجهات المختصة بواسطة رسالة إخطار مرفقة  بالنص المطلوب مراقبته عليه أن يجتمع ويتداول في جلسة مغلقة ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف العشرين يوما الموالية لتاريخ الإخطار، ويترتب على رأيه أو قراره النتائج التالية:

1.في ما يتعلق بالقوانين العضوية والأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان
- إذا صرح المجلس الدستوري أن القانون المعروض عليه يتضمن حكما غير مطابق للدستور ولا يمكن فصله عن باقي أحكام هذا القانون، فلا يتم إصدار هذا القانون[16]؛
-إذا صرح المجلس الدستوري أن القانون المعروض عليه يتضمن حكما غير مطابق للدستور، ولاحظ في ذات الوقت بأن الحكم المعني يمكن فصله عن باقي أحكام هذا القانون، يمكن رئيس الجمهورية أن يصدر هذا القانون باستثناء الحكم المخالف للدستور، أو أن يطلب من البرلمان قراءة جديدة للنص، وفي هذه الحالة يعرض الحكم المعدل مرة أخرى على المجلس الدستوري لمراقبة مطابقته للدستور؛
-إذا صرح المجلس الدستوري بأن النظام الداخلي لإحدى غرفتي البرلمان المعروض عليه يتضمن حكما مخالفا للدستور فإن هذا الحكم لا يمكن العمل به من طرف الغرفة المعنية إلا بعد تصريح المجلس الدستوري بمطابقته للدستور، ويعرض كل تعديل للنظام الداخلي لإحدى غرفتي البرلمان على المجلس الدستوري مرة أخرى لمراقبة مطابقته للدستور.

2.في ما يخص رقابة القوانين العادية والتنظيمات والمعاهدات
-إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق أو اتفاقية فلا يتم التصديق عليها؛
-إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري ، يفقد هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس.
 رابعا- الـعـوائـق الـتـي تـحـد مـن رقـابـة الـمـجـلـس الـدسـتـوري
        لـقـد عـقـدت آمـال كبيرة على المجلس الدستوري غداة تأسيسه بمقتضى دستور 1989، و ذلك نظرا لأن مهمته الأساسية هي السهر على حماية الدستور من خلال رقابة مدى مطابقة النصوص القانونية له، هذه المطابقة التي تعني حماية الحقوق والحريات على وجه الخصوص، غير أن الواقع ومن خلال ممارسة المجلس لوظائفه أثبت بأن هناك عوائق عديدة تحول دون تحقيق المجلس للأهداف التي أنشأ من أجلها.
        في هذا الصدد يمكن ملاحظة عدد النصوص القانونية التي نشرت في الفترة الممتدة من 1989 إلى 1991 و كم هو عدد التدخلات التي مارس فيها المجلس عملية الرقابة، حيث نجد من بين 1317 نـصـا بـمـا فيها القوانين والمراسيم الرئاسية والمعاهدات لم يخطر المجلس الدستوري سوى سبع مرات، وهو ما يعطينا معدلا ضعيفا للتدخلات مقارنة بعدد النصوص حيث بلغ هذا المعدل 0.5 [17].
        وسنركز فيما يلي على أهم العوائق التي تحول دون فعالية المجلس الدستوري خاصة فيما يتعلق بتشكيلة المجلس والجهات التي تمتلك صلاحية إخطاره.
  1- تـشـكـيـل الـمـجـلـس
        لقد سبق و أن رأينا بأن المجلس الدستوري الجزائري أصبح في دستور 1996 يتكون من تسعة أعضاء، بعد ما كان في دستور 1989 يتكون من سبعة أعضاء فقط؛

 إن هذا الرفع في عدد الأعضاء المشكلين للمجلس يعود كما ذكرنا إلى ظهور مؤسستين دستوريتين جديدتين هما مجلس الأمة ومجلس الدولة، كما قد يكون لهذا الاتساع في التشكيلة دلالته التاريخية تأثرا بالمجلس الدستوري الفرنسي في ظل دستور 1958 الذي يتكون من تسعة أعضاء[18]، وهو نفس العدد الذي تتشكل منه المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأقل من العدد الذي تتشكل منه الهيئات المكلفة بالرقابة الدستورية في بعض الدول الأوربية، حيث نجدها في إسبانيا تتكون من اثنا عشر عضوا وفي إيطاليا من خمسة عشر عضوا وفي ألمانيا من ستة عشر عضوا[19].
        ولئن كانت السلطات الثلاث تمتلك كلها حق تعيين أو انتخاب أعضاء في المجلس الدستوري، إلا أن الملاحظ أن السلطة التنفيذية قد تكون في أغلب الأحيان هي الممثلة أكثر في المجلـس، حيث نجد إضافة إلى الأعضاء الثلاثة الذين يعينهم رئيس الجمهورية بما فيهم رئيس المجلس فإنه لا يستبعد أن يكون كلا العضوين المنتخبين من قبل مجلس الأمة أو أحدهما على الأقل من ضمن ثلث أعضاء المجلس الـمـعـيـنــيـن من طرف رئيس الجمهورية[20]؛على الرغم من أن الـسـلـطـة الـتـشريعية تمتلك هي الأخرى حق انتخاب أربعة أعضاء موزعين بالتساوي بين كل من مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني.
        كل هذا يدعونا إلى القول أنه في حالة تحالف الأعضاء الثلاثة المعينين من طرف رئيس الجمهورية على الأقل مع عضوين منتخبين من طرف سلطة أخرى أو تحالف الأعضاء الأربعة الممثلين للسلطة التشريعية مع أعضاء مممثلين لسلطة أخرى، فإن هذا من شأنه أن يشكل أغلبية داخل المجلس الدستوري مما قد يؤدي بهذه المؤسسة إلى  أن تتحول إلى مجرد هيئة تدور في فلك السلطة التنفيذية أو التشريعة، الأمر الذي من شأنه شل عمل المجلس.
        هذا من حيث التشكيلة العددية، أما من حيث التشكيلة النوعية فإننا نلاحظ بأن الدستور الجزائري لم يشترط توفر خصائص معينة في العضو المنتخب أو المعين لشغل منصب في المجلس الدستوري.
إن هذا النقص من شأنه أن يدعو إلى طرح بعض الأسئلة تتمحور حول سؤال مفاده لـمـاذا لـم يشترط المؤسس الدستوري ضرورة انتخاب أو تعيين أعضاء المجلس الدستوري من بين الكفاءات والـشـخـصـيـات الـمتخصصة في القانون مادامت الرقابة الدستورية تبحث في النصوص القانونية وتـتـبـع إجراءات شبه قضائية، نقول هذا حتى و إن كانت تشكيلات المجلس الدستـوري المتتالية منذ تأسيسه سنة 1989 أثبت الواقع أنها كانت تضم كفاءات قانونية، وهو نفس الشيء الواقع في  المجلس الدستوري الفرنسي من خلال دستور 1958حيث لا نجد في الدستور ما يمنع أو يحث على تعيين المتخصصين في القانون لتشكيل المجلس، إلا أن أغلبية أعضاءه يغلب عليهم التخصص القانوني.  
        ومن جهة أخرى يمكن توسيع نظام العضوية من خارج الهيئات المشار إليها لتحقيق توازن أحسن داخل تركيبة المجلس[21]، وتجدر الملاحظة إلى أن رئيس المجلس الدستوري في الجزائر وعلى غرار نظيره الفرنسي يعين من طرف رئيس الجمهورية على خلاف نظيره في كل من إسبانيا وإيطاليا حيث نجده ينتخب من طرف أعضاء المجلس[22].
2- محـدوديـة الـجهـات الـتـي تـخـطـر الـمـجـلـس الـدسـتـوري  
        إن جعل حق إخطار المجلس الدستوري مقتصر على رئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي البرلمان من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل عمل المجلس، وبالتالي إمكانية مرور نصوص غير دستورية، خاصة إذا كانت الشخصيات الثلاث التي تمتلك حق الإخطار تنتمي إلى تيار سياسي واحد، مما قد يجعلها تتردد حتما في الطعن في نصوص قانونية زكاها نواب يشاطرونهم نفس التوجه السياسي.
        وضعية كهذه حدثت في فرنسا ذات التجربة العريقة في المجال الدستوري، خاصة عندما كان إخطار المجلس الدستوري مقتصرا على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و رئيسي غرفتي البرلمان[23]، وهو ما دفع بالرئيس جيسكار ديستان إلى الدعوة إلى إجراء تعديل دستوري قصد توسيع إمكانيات إخطار المجلس الدستوري[24].
        لـذلـك نـرى مـن الـضـروري مـسـتـقـبـلا وفـي حـالـة حدوث تـعـديـل دستوري في الجزائر، توسيـع حـق الإخـطار إلى جهات أخرى كمنحه لعدد معين من أعضاء غرفتي البرلمان على سبيل المثال.
        وفي هذا الصدد ولما كانت الأنظمة الدستورية المقارنة تختلف في العدد المطلوب توفره حتى يمكن لأعضاء البرلمان إخطار المجلس الدستوري، فإنه يمكن أن يخول هذا الحق إما إلى عشرين نائبا مادام هذا العدد هو نفسه المطلوب لاقتراح قانون[25]، كما يمكن الاعتماد على العدد المطلوب توافره في حالة استجواب الحكومة في إحدى قضايا الساعة وهو ثلاثون نائبا[26]. كما يمكن أن يمنح هذا الحق إلى الكتل البرلمانية، وهو ماقد يسمح للمعارضة من تحريك المجلس الدستوري، مع العلم أن المجموعة البرلمانية تتكون من خمسة عشر نائبا على الأقل.
        وفي هذا الإطار يمكننا الاستفادة من بعض التجارب الأوربية حيث نجد الدستور الفرنسي يمنح حق إخطار المجلس الدستوري إلى ستين نائبا في الجمعية الوطنية أو ستين عضوا في مجلس الشيوخ، أما في إسبانيا فيمنح إلى خمسين عضوا في أحد المجلسين على الرغم من أن توفر مثل هذا العدد من الصعب أن تمتلكه المعارضة.

        وتجدر المـلاحـظـة إلى بعض النقائص التي يجب سدها مستقبلا من طرف كل من الدستور و النظام الداخلي للمجلس الدستوري بمكن أن نوردها فيما يلي:
       - لا يوجد في الدستورما يوحي بالقوة القانونية لقرارات المجلس الدستوري و آراءه في مواجهة السلطات الأخرى عكس ما هو عليه الحال في فرنسا حيث نجد الدستور في المادة 62 منه نص صراحة على حجية قرارات المجلس فهي غير قابلة للطـعـن فـيـهـا بأي طريق من طرق الطعن، كما أن هذه القرارات تكون ملزمة للسلطات العامة والهيئات الإدارية والقضائية[27]، ولو أن هذا النقص قد سده المجلس الدستوري في نظامه الداخلي.
       - يمكن مستقبلا تمكين المجلس الدستوري من التحرك التلقائي لرقابة بعض القوانين التي قد يتبين له بأنها مخالفة للدستور مع تحديد الحالات التي يمكن له أن يتحرك فيها بكل دقة حتى لا يتحول إلى هيئة معرقلة لعمل السلطة التنفيذية والتشريعية خاصة، و لو أن الرئيس الفرنسي السابق "فاليري جيسكار ديستان" كان هو الآخر يرغب في إدخال تعديل من هذا النوع على الدستور الفرنسي لتمكين المجلس الدستوري من رقابة القوانين التي يرى بأنها تمس بالحريات العامة التي يضمنها الدستور غير أنه تراجع عن هذا وتمسك فقط بتوسيع حق الإخطار إلى المعارضة كما سبق وأن رأينا[28].
-كما يمكن اتاحة الفرصة للمتقاضين  من الطعن في القوانين المتضمنة أحكاما ماسة بالحقوق والحريات[29]؛ أو انتهاج ما ذهب إليه الدستور المغربي لسنة 2011، بتبني الرقابة القضائية على دستورية القوانين، بإنشاء محكمة دستورية، يحق للمواطنين التماسها، كلما كان هناك مساس بهذه الحقوق، ولو بطريقة غير مباشرة[30].


[1] -أصدرت المحكمة الفدرالية سنة 1886 قرارا مفاده أن"التشريع المخالف للدستور ليس في الحقيقة قانونا على الإطلاق  فهو لا ينشئ حقوقا ولا يرتب واجبات ولا يمنح حماية ولا ينشئ وظيفة وهو من الناحية القانونية منعدم القيمة وكأنه لم يصدر أصلا".
[2] -المادة 64 من دستور 1963.
[3] -المادة 63 من دستور 1963.
[4] -الفقرة 2 من المادة 63 من دستور 1963.
[5] -أنظر في هذا الصدد سعيد بوشعير، النظام السياسي الجزائري، دار الهدى للطباعة و النشر و التوزيع . ص405.
[6] -جسد دستور 1989 التحول الديمقراطي الذي عرفته الجزائر عقب حوادث أكتوبر 1988من خلال نصه على التعددية الحزبية والفصل بين السلطات.
[7] -المادة 163 من دستور 1989.
[8] -المادة 164 من دستور 1989.
[9] -المادة 10 الفقرة 3 من الأمر المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية لسنة 1997.
[10] -تنص المادة  54 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري على أنه" يجب عـلى أعضاء المجلس الدستوري أن يتقـيدوا بإلزامية التحفظ ، وأن لا يتخذوا أي موقف علني في المسائل المتعلقة بمداولات المجلس الدستوري"، "ومع ذلك، خفف المجلس الدستوري من هذا التشديد وهذه الصرامة بإتاحة الإمكانية أمام عضو المجلس الدستوري للمشاركة في الأنشطة الثقافية والعلمية إذا رغب في ذلك، على ألا تؤثر هذه الأنشطة على استقلالية المؤسسة وحيادها"،  أنظر: www.conseil-constitutionnel.dz ، وفي هذا الإطار تنص المادة 54 مكرر من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري و المضافة بموجب المداولة المؤرخة في يناير 2009 على أنه "يمكن رئيس المجلس الدستوري أن يرخّـص لأحد أعضاء المجلس الدستوري بالمشاركة في الأنشطة العلمية والفكرية، إذا كانت لهذه المشاركة علاقة بمهام المجلس ولا يكون لها أي تأثير على استقلاليته ونزاهته. يقدم العضو المعني عرضا عن مشاركته في أوّل اجتماع يعقده المجلس الدستوري.
[11] " تنص المادة 55 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري على أنه" يعقد المجلس الدستوري  اجتماعا بحضور كل أعضائه حينما تصبح الشروط المطلوبة لممارسة مهمة أحد أعضائه غير متوفرة، أو عندما  يخل بواجباته إخلالا خطيرا.وأضافت المادة 56 على أنه " يفصل  المجلس الدستوري ، إثر المداولة بالإجماع في قضية العضو المعني دون حضوره". وإذا سجل عليه إخلال خطير، يطلب المجلس الدستوري منه تقديم استقالته، ويشعر السلطة المعنية بذلك قصد استخلافه تطبيقا لأحكام المادة 57 أدناه.      
[12] -المادة 165 من دستور 1996.
[13] -المادة 163 من دستور 1996.
[14] -أنظر المواد 88 إلى 94 من دستور 1996.
[15]-المادة 165 والمادة 165 من دستور 1996.
[16] -المادة 2 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري.
[17] -  Yelles Chaouche Bachir, conseil constitutionnel, le temps d'un bilan, EL WATAN  du 29/03/93.                                                                                                                       
[18] - المادة 56 من دستور فرنسا لسنة 1958
[19] - Henry Roussillon, le conseil constitutionnel, DALLOZ,3eme édition, 1996, p.7.     
[20] - تنص المادة 101 في فقرته الثانية من دستور 1996 على أنه" ينتخب ثلثا (2/3) أعضاء مجلس الأمة عن طريق الاقتراع غير المباشر والسرّي من بين ومن طرف أعضاء المجالس الشعبية البلدية والمجلس الشعبي الولائي. ويعين رئيس الجمهورية الثلث الآخر من أعضاء مجلس الأمة من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية والثقافية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية".

[21] - أنظر بوكرا إدريس، من أجل تحقيق التوازن المطلوب، أسبوعية الواجهة . عدد2 من 6 إلى 19 فيفري 1993.

[22] - Henry Roussillon, op. cit, p.9.
[23] « toujours au plan de la science politique,  réserver le droit de saisine à ces quatre autorités constitutionnelles présentait un grand risque de blocage puisqu’il était possible qu’elles appartiennent à la même tendance politique .Cette situation s’est effectivement produite de 1974 a 1981 période durant laquelle le SENAT de majorité centriste a cessé d’être anti gaulliste », Henry Roussillon, op. cit  p. 22.
[24] - cf., Henry Roussillon, op. cit,  p.22
[25] - تنص المادة 119 من دستور 1996 في فقرتها الثانية على أنه "تكون اقتراحات القوانين قابلة للمناقشة، إذا قدّمها عشرون (20) نائب".

[26] - المادة 123 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني.
[27] «Les décisions du Conseil constitutionnel ne sont susceptibles d’aucun recours. Elles s’imposent aux pouvoirs publics et à toutes les autorités administratives et juridictionnelles ».
[28] -cf., Henry Roussillon, op. cit, p. 26.
[29]-Cf., Loi constitutionnelle n° 2008-724 du 23 juillet 2008 de modernisation des institutions de la Ve République ;Rapport du Comité de réflexion et de proposition sur la modernisation et le rééquilibrage des institutions de la Ve République.

[30]-تنص المادة 133 من دستور المغرب لسنة 2011 على انه" تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور".